أعطيني إعلاما دون ضمير أعطيك شعبا - TopicsExpress



          

أعطيني إعلاما دون ضمير أعطيك شعبا دون وعي إن المتتبع لإعلامنا العمومي المرئي يحق له أن يتساءل، هل ستصله رياح التغيير قريبا أم لا. أم ستظل دار لقمان على حالها؟ منذ زمن طويل و المسؤولون عن قنواتنا العمومية، منخرطون في حرب مقدسة لنشر الرداءة و الإسفاف إلى حد الإسراف، الأمر الذي بات يستدعي تدخلا إسعافيا لوقف مسلسل استبلاد المشاهد، عبر شبكة من البرامج، تطغى عليها التسلية المجانية، و الفرجة السطحية و الرأي الواحد وتشويه الحقائق... إسهال في بث مسلسلات الخردة المدبلجة بالدارجة و الفصحى، وربما قريبا باللغة الأمازيغية و الحسانية و حتى العبرية للأقلية اليهودية، وكثافة في برامج الطبخ و المنوعات و المسابقات......الخ. للموضوعية هناك بعض البرامج الثقافية و السياسية التي تتوفر على الحد الأدنى من الجودة، لكنها مجرد جزر معزولة في صحراء قنواتنا العمومية القاحلة، مساحتها الزمنية و خطوطها الحمراء، لاتسمح بتحقيق ذلك التراكم في الكم و الكيف الذي يغني التجربة و المشاهد دافع الضرائب المتطلع لخدمة لائقة. يكفي أن نشير إلى أن الحكومة الصينية قلصت مؤخرا من النسبة المئوية لبرامج التسلية في قنواتها الوطنية، حماية لوعي المتلقي الصيني من " داء قاتل " اسمه البلادة و قانا و وقاكم الله. بالتالى الرهان على الاستمرار في استبلاد المشاهد و حرق أعصابه، بما لذ و طاب من القبح من جهة، والإمعان في الرهان على تحقيق نسب مشاهدة عالية عبر الشعبوية من جهة أخرى بدعوى الرفع من مداخيل الإشهار، أمر لايستقيم مع خطاب الحكامة ومحاربة الفساد . إن مهمة الإعلام العمومي الممول من المال العام، تقديم خدمة عمومية ذات جودة للمواطن و السمو بذوقه و ثقافته. و عكس الهموم و الانشغالات الحقيقية المختلفة للمغرب العميق، انسجاما مع نقطة وحيدة في دفتر تحملات القطب العمومي هي الجودة و الفن الجيد وفقط، حتى يتم القطع مع اعلام " القطيع". وذلك لن يتحقق إلا من خلال تحرير الكفاءات و إنصافها وتمكينها من حرية العمل و الإبداع، حتى تتخلص من مرض تضخم الرقابة الذاتية و حتى يتوقف مسلسل القتل المعنوي للاعلاميين المتمييزين الذين أرغم بعضهم على التواري إلى الخلف، و الهجرة للتألق ببعض القنوات الأجنبية، بعدما اختنقوا من أجواء غير صحية للعمل لتقديم منتوج يليق بالمشاهد. مجتمع تفترسه الأمية بأنواعها المختلفة، و نسبة القراءة به لاتتجاوز ربع صفحة للفرد الواحد في السنة !!، يمكن للإعلام العمومي أن يساهم في الرفع من منسوب الوعي الفكري و السياسي و يهذب الذوق العام. طبعا لايمكن أن ينوب الاعلام عن المهام التاريخية للتعليم، لكن يمكن أن يساهم في تنوير شرائح واسعة من المجتمع ممن " فاتهم القطار" بفعل فاعل. فأول "خيط أبيض" للمصالحة و التطبيع يجب أن يكون بين القطب العمومي و الجمهور المغربي عوض التسلي بأعراض و خصوصيات البسطاء من الناس الناتجة في جزء منها عن الفقر و الجهل و التجهيل. ولعل أخبار الحروب الصغيرة و الكبيرة و أجواء التوترو تعدد الوقفات الاحتجاجية للعاملين بالقنوات ، أضف الى ذلك الخرجات الاعلامية الأخيرة للاعلامية المتميزة "فاطمة الإفريقي" تعكس فقط رأس جبل الجليد وحجم التوتر و الفساد المستشريين بهذه القلاع الحصينة إلى حين. إن القبح له مفعول الجراد يجرف كل شيء في طريقه : الثقافة و القيم و الجمال و الاختلاف.... و لايترك وراءه غير المسخ. لقد قيل " أعطيني إعلاما دون ضمير أعطيك شعبا دون وعي". أما إذا أصر حراس المعبد على أن يضل تلفزيون السلطة على حاله و ليس تلفزيون الشعب، نقول لهم هنيئا لكم، أكبر انجاز حققتموه كان تمكنكم من إقناع بعض جداتنا كون المكسيك بلدا عربيا!!!
Posted on: Wed, 10 Jul 2013 13:15:57 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015