الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية - TopicsExpress



          

الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجزائر ضمن الإطار العام والعولمي كبلد متخلف من العالم الثالث : نبذة تاريخية حول الأسباب والآليات، وبعض البدائل والحلول الجزئية. من تقديم: بلقاسم مليكش(سعيد) ماجيستير فلسفة غربية حديثة ومعاصرة المدرسة العليا للأساتذة بوزريعة عضو المجلس الوطني لجبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس) منذ 2007 "الوضع المأساوي الذي نعيشه في مجتمعاتنا هو: أن الكل يتكلم ولا أحد يسمع" مقدمة: بمناسبة تنظيم الندوة الاقتصادية والاجتماعية بتاريخ يوم الجمعة 27 سبتمبر 2013، والتي ينظمها حزب جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس) كحزب معارض وقوة اقتراح، وتكوين ونشر وعي بالقضايا التي تهم المواطن، وبصفتي مناضل في صفوفه، حاملا صفة عضو في مجلسه الوطني، أتقدم بهذه المداخلة أداءا للواجب بالمساهمة في النقاش واقتراح الحلول والبدائل بعد دراسة مستفيضة للأوضاع ونبذة تاريخية لها، باعتبار الجزائر بلد من بلدان العالم الثالث والمتخلف. ونشكر مقدما قيادة الحزب والمنظمين للندوة، المساهمين والمشاركين فيها، تشريفنا والسماح لنا بأداء واجبنا في حزبنا وللوطن والإنسانية، بقراءتها وتفصيلها على مسامع الحاضرين. لأن لكل واقعة عامة كلية ومجردة في هذه المداخلة أمثلة واقعية مجسدة تقابلها من الواقع الجزائري بخاصة نقدمها شفهيا حسب الظرف. أو بالعكس لكل واقعة خاصة في الجزائر تفسيرا آليا ضمن مسيرتها وصيرورتها التاريخية في الإطار العام والعولمي كدولة متخلفة من العالم الثالث. وإنه من أجل أن يكون النقاش عميقا وجادا يؤدي إلى نتائج مثمرة، قد قمنا بنشر هذه المداخلة على شبكة الانترنت في صفحات الفايسبوك ومجموعات النقاش قبل موعد إلقائها، وذلك للإطلاع عليها واستيعابها جيدا قبل مناقشتها وإثمارها بذلك. وهذه المداخلة عبارة عن إعادة تصفيف وترصيف، بتصرف حسب الموضوع والحاجة فيه، لبعض المقتطفات من نصوص مقتبسة من وفي كتاب نحن بصدد إنهاء تأليفه بعنوان: " مقدمــة فـي: "التشــــــــــاركية" (بيان من أجل عالم إنساني جديد: مذهب ونظام اقتصادي وسياسي جديد عادل، بديل ما بعد الرأسمالية الليبرالية المتوحشة الطاغية والمدمرة، ومواصلة التاريخ)". نعطي بالمناسبة السبق لحزبنا، بهذه المداخلة ومن خلالها، للإعلان عن بعض من مضمون الكتاب وبيان قيمته، وقيمة مناضلي جبهة القوى الاشتراكية الذين يعج بهم، والمتكونين في صفوفه بأدبياته. وهو كتاب ناتج عن هم سياسي، وجودي ومعرفي حاد، واهتمام دقيق، وعن قراءات واسعة وكثيرة فيما يخص خلل وأزمة العالم الذي نعيش فيه وآثاره على الطبيعة وعلى كل إنسان فوق هذه الأرض بصفة عامة. يتكون الكتاب من مقدمة تبين أسباب،أهداف ومسار تأليف الكتاب، ومحتواه بكيفيته ومصادره، تلي المقدمة أربعة فصول تحمل العناوين الآتية: الفصل الأول: "الوضع في الصورة: الواقع المأزوم لعالمنا المعاصر (المظاهر، الأبعاد، التاريخ، المسار والأسباب)"، الفصل الثاني: "حاجة العالم إلى البديل"، الفصل الثالث: "التشاركية (إنسانية، عدالة، ثم "حرية")"، والفصل الرابع والأخير: يحمل العنوان: "التشاركية، الإيديولوجيا واليوتوبيا". ويبدأ الكتاب بنداء منطوقه هو: ""يا شعوب العالم، تحرروا، بإنسانيتكم، ويا يسار العالم، استعيدوا أنفسكم من اجل الإنسانية : حققوا جميعكم العدالة في ذواتكم"". وعنوان هذه المداخلة الطويلة شيئا ما، يبين أنها ليست خطابا سياسيا بحتا وإنما تحليل هيكلي وأكاديمي، لا يتعلق بالخصوصيات الجزائرية الجزئية أو بالجزائر كجزيرة مستقلة عن العالم، وإنما كما يظهر في العنوان، فالمداخلة تحليل للأوضاع المشتركة لبلدان العالم الثالث المتخلفة كلها والتي من بينها الجزائر، وهي الأوضاع الناتجة تاريخيا والتي لا تستقل عن أوضاع العالم الكلية. وهي مداخلة تبغي في شكلها ومضمونها أيضا علاوة على التفسير والشرح والتعليل، لتكوين وعي وتشكيل رأي واتخاذ موقف، تبغي أن تكون وثيقة مرجعية للتكوين السياسي، الأكاديمي والعلمي للمناضلين، ومن أجل أن تكون السياسة علمية غير بدائية ، مهنية واحترافية، لا ظرفية وهواية ثانوية، كما تهدف هذه المداخلة إلى تكوين وعي جمعي عقلاني، لا عاطفي، ينفك على البرمجة التي حددتها لنا الرأسمالية بما يبدو أنه بديهيات لدى الجميع أو ما يتفق حولها الجميع وتصدر عنهم. ذلك تثمينا للعلم والمعرفة في السياسة، واستثمارا للطاقات العلمية والمعرفية، والكفاءات داخل الحزب وضمن صفوفه قبل استثمارها على المستوى الوطني. وتتضمن هذه المداخلة في محتوياتها، علاوة على هذه المقدمة، العناوين والعناصر التالية: الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ولوحة مختصرة عن أسبابها وآلياتها ضمن الإطار العام والعولمي: وتشمل : · استمرار الاستعمار بوجه جديد والتحكم في الدعاية والإعلام لنشر النمط الاستهلاكي غير الرشيد · الفكر النمطي المعلب كصناعة ومخدر رأسماليين · طغيان الماديات، تبعية النشاط الاقتصادي وتشيء وتحلل العلاقات الاجتماعية الإنسانية · اغتراب الإنسان عن نفسه وانتشار الأمراض النفسية الاجتماعية · التقسيم الدولي للعمل والتبادل اللامتكافئ ثم إعادة التموقع الجغرافي للاستثمارات · ضعف و/أو تبخر معدلات الادخار ومشكلة التمويل · إستراتيجية الصناعة الفكرية الرأسمالية العالمية وتلغيم طرح مشكلة التمويل من أجل الاستثمار · تقييد العمل بشروط مالية وإخفاء دور المال الحقيقي · عدم الاستقرار وتضخم الأجهزة الأمنية، طغيان المجتمع العسكري على المجتمع المدني وتدعيم الدكتاتورية · الصراعات الطائفية، القبلية والعرقية والحروب الأهلية وعودة الأصوليات الدينية والعرقية · الحروب كطبيعة للرأسمالية العالمية، وتشويه تطبيق النظرية الكينزية · المنظمات المالية الدولية ، مشكلة الديون وإعادة الجدولة · ارتباط مصالح الطبقات الحاكمة بمصالح الرأسمالية العالمية ونهب ثرواته · فقدان الدولة للسيادة وتحكم جماعات المصالح وانتشار الفساد · المخادعة بالديمقراطية المزيفة وبرمجة الجمهور وصناعة القبول، خاصة للحلول الأمنية والتدخلات العسكرية والحروب · انحراف النقابات والمنظمات العمالية و"كوربوراليتها" بعض الحلول الجزئية وتصحيح المسار لتغيير المصير: وتشمل: · قوة الأحزاب ببرامجها السياسية - على المستوى الاقتصادي - على المستوى الاجتماعي - على المستوى المالي والجبائي · استقلالية القضاء كشرط مبدئي كلي وأساسي · دور الدولة ودور الحزب خاصة فيما يخص النقابات · الوسيلة الأولية لإحقاق البدائل والحلول تمهيد /مدخل: الانتفاضات الشعبية الكبيرة التي اندلعت في ديسمبر 2010 و جانفي 2011 في جنوب المتوسط هي، طليعة الحركات المشابهة في أمكنة أخرى في العالم. إنها لا تعبر فقط عن تقيأها للأنظمة الديكتاتورية والمافيوية، بل أيضا تعبر عن اليأس الاجتماعي الذي يستحكم في طبقات شعبية واسعة. خلال الانتفاضات الشعبية التي عمّت ما يسمى العالم العربي ابتداءً من بداية عام 2011، كانت دوافع المتظاهرين من المحيط إلى الخليج تعود إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفاقم مواقع الفساد والإفساد في ظل الإصلاحات النيوليبرالية التي طبقت في معظم الدول العربية. ومما لا شك فيه أن الحركات الشعبية في جنوب المتوسط، رغم أنها ليست إلا طبعة منقحة للثورات الملونة في بلدان الإتحاد السوفياتي سابق، قد أثرت في العالم الغربي قد ألهمت بدورها التحركات الاحتجاجية التي عمّت بعض الدول الأوروبية مثل حركة المحتجين في اليونان واسبانيا وايطاليا والبرتغال، بالإضافة إلى التحرك الشعبي في الولايات المتحدة ضدّ بورصة نيويورك وكان شعارها "احتلوا وول ستريت". تعثر الموجة لما يسمى الثورات العربية هو لغياب أي تصور لنموذج تنموي بديل من التنمية المشوهة التي تتميز بها سلبا الإقتصادات العربية جميعها باعتبارها هامش المركز النيوليبرالي كضحية له، وهي اقتصادات ريعية الطابع واحتكارية تركز الثروات في أيدي قليلة تجني أرباحا طائلة وسهلة، لا تستثمرها في بناء قدرات إنتاجية في مجال العلم والمعرفة، توظف في نشاطات إقتصادية ذات القيمة المضافة العالية. هذه هي الطريقة الوحيدة التي بدورها تؤمن فرص العمل وترفع مستويات المعيشة خاصة لدى الفئات الفقيرة والمهمشة تعيش حياة يومية بحثا عن لقمة العيش في بحر من الثراء غير المشروع لدى القيادات السياسية وتوابعها من رجال الأعمال. فأهم شعار قد رفع من المحيط إلى الخليج هو الكرامة. ما جمع الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج في مارس 2011 هو مطلب الخبز والكرامة، أي المجتمع الإنتاجي الذي وحده يوفر فرص العمل اللائقة ويحقق الكرامة في كل قطر وعلى مستوى المجموعة ككل، للتخلص من كل الهيمنات الخارجية المثبطة. إن الحلقة الثورية أو الثورانية فيما يسمى الوطن العربي، إذ ما لم يصحبها تغييرات جوهرية في الأنظمة الاقتصادية، المالية، والاجتماعية والتعليمية وخاصة في وعيها الجمعي، تعيد إنتاج النظام الريعي وتزيد في الأوضاع السائدة منذ الستينات والمتعمقة أكثر على مر العقود. أي ثورة دون حركة توعية فكرية تنويرية ومبدأ أخلاقي مرافقين منتجين لثقافة وسلوك جديدين، بتغير الإنسان الثائر مجسدا لهما، لن تكون سوى انفجار عصبي يتنفس به عن الكبت الطويل بدون أي تغيير للواقع المسبب. فالمشكلة أن المطالبين بحلها هم جزء منها ومن حلها. فنصف الحقيقة أكثر خطورة من الباطل. و ليس من العدل أن يطلب من الآخرين ما لسنا مستعدين لفعله. كما انه ليست الاستطاعة في تغيير اتجاه الرياح، إنما التحكم في الأشرعة للذهاب حيث يجب. فالثورة لا تحتاج إلى المطالب فقط وإنما تحتاج إلى القدوة. وكما يقول غاندي: "يجب أن نكون التغيير الذي نريده". فمن الصعوبة أن يتحرر السذج من الأغلال التي يقدسونها. وعندما يغيب البديل بالعقل والفكر يصبح الإنسان مجرد وسيلة لتحقيق رغبات أخرى غريبة عنه. فعندما يراد امتلاك شيء لم يكن من قبل، يجب القيام بفعل لم يؤدى من قبل. الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ولوحة مختصرة عن أسبابها آلياتها ضمن الإطار العام والعولمي: · استمرار الاستعمار بوجه جديد والتحكم في الدعاية والإعلام لنشر النمط الاستهلاكي غير الرشيد: إن الاستعمار الرأسمالي يوزع جزءا مما ينهبه من بلدان العالم الثالث على البروليتاريا والمحرومين في البلاد المتقدمة، تحت ضغط النقابات العمالية ذات النشأة والتاريخ العريق في النضال في هذه البلدان ، وذلك وراء تحسين المستوى المعيشي لكل سكان البلدان المتقدمة بما فيها الطبقة المحرومة منهم الذين كانوا يهددون النظام الرأسمالي، فحافظ هذا التوزيع على نوع من الاستقرار والتوازن الاجتماعي في هذه البلدان، وهكذا تم تقويض الطرح الماركسي القائل بأن الاشتراكية ستظهر في البلد الأكثر تقدما في المجال الصناعي آنذاك، وهي بريطانيا. ذلك بعدما كانت من أكبر الآثار الاجتماعية والفكرية للرأسمالية في أوربا هو الاستغلال الرأسمالي البشع الذي كان سببا في ظهور حركات اجتماعية وبروز الأفكار الاشتراكية التي بدأت طوباوية على يد سان سيمون و فورييه وغيرهما، لتتخذ فيما بعد شكلا راديكاليا على يد كل من كارل ماركس وفريدريك أنجلس اللذان أصبحا يتحدثان عن اشتراكية علمية نعمل من اجل تقويض أركان النظام الرأسمالي، وانتشرت بقوة هذه الأفكار في صفوف الطبقة الشغيلة والكادحين مدعمة بتزايد التناقض الطبقي الحاد بين الطبقة البرجوازية والبروليتاريا، حتى عرفت الطبقة البرجوازية كيف تواجه ذلك بأسلوب ذكي وبالآليات التي أنقذت النظام الرأسمالي من السقوط، وأعطت رفاهية نسبية للبروليتاري والكادح، وقوضت الطرح الماركسي. استعمل العالم الرأسمالي عدة آليات لإبقاء نهبه واستغلاله للعالم المتخلف، ومنها تنصيب القوى الاستعمارية في العديد من المستعمرات التي استقلت حديثا، لأنظمة موالية لها وفي خدمتها، كما نشرت النمط الاستهلاكي (الرأسمالي) بنشر الثقافة الاستهلاكية بواسطة وسائل الإعلام التي يسيطر عليها "الرأسمال"، مما يؤدي إلى إبقاء أسواق العالم الثالث مفتوحة أمام الإنتاج الرأسمالي، ويشجع على نمو قوى الإنتاج واستمرارية الإنتاج في الدوران وتحقيق الرأسمالي لأرباح كبيرة جدا على حساب شعوب العالم الثالث. إن العرض والطلب أو السوق هو الذي يحدد السلع الواجب إنتاجها في ضوء المجتمع في النظام الرأسمالي، لكن عادة ما يكون لأجهزة الإعلام والدعاية التي يسيطر عليها رجال المال والأعمال دور في تحديد حاجات المجتمع، وخلق حاجات غير ضرورية للإنسان تبدد طاقاته في ما لا ينفع، بغرس أنماط استهلاكية تخدم في الأخير مصالح الرأسماليين، هذا ما يفسر لنا مسألة "النمو من أجل النمو" في الغرب الرأسمالي الذي يتميز بتكاثر فوضوي سرطاني للنشاطات والحاجات التي تؤدي إلى تطور تشنجي وقاتل في وقت ما، بحيث هو سبب الندرة بسبب سوء التوزيع. تلعب الدعاية والإعلانات دورا رئيسيا في ما سبق وتشكل كما قال روجيه غارودي: "عدوانا دائما على الإنسان الذي تخضعه لقصف من الأنباء الكاذبة وتثير فيه شهوات وهمية غير محدودة، سواءا بشكل مباشر كالإعلان بالنيون وتكييف السلع ومستهلكيها، أو بشكل غير مباشر في الفيلم أو الرواية أو الإذاعة والتلفزيون، حين تقدم نماذج من السلوك المترف السهل، الذي يقاد المشاهد به على نحو خفي إلى تقليده أو الحصول عليه بكل وسيلة حتى ولو بالجريمة في هذا العالم الاستهلاكي..."([1]). والمسألة هي دعاية غايتها إطلاق فعل الشراء لصالح المنتج لا الترقية الإنسانية لحاجات المستهلك. فقد خلق نمط استهلاكي خاضع للحاجات المصطنعة المزيفة وغير الضرورية التي حولتها سلطة الإعلام إلى ضرورة لا مفر منها في ذهن الإنسان. كل ذلك مع انتشار مذهل ومتخصص، مرسوم ومفكر فيه للقنوات الفضائية، بتهميش القنوات الوطنية العمومية وانغلاقها أو تميعها، وانعدام إستراتيجية إعلامية عمومية لها، عن قصد أو عن غير قصد. · الفكر النمطي المعلب كصناعة ومخدر رأسماليين: نحن نعيش اليوم تحت تأثير فكر نمطي، معلب في قوالب قيمية وجمالية تصدرها وسائل الإشهار والدعاية الحديثة التي تعتمد الإغراءات التي توفرها التقنية، الأمر الذي يعني كنتيجة أن هذه الأخيرة هي كما قال هاربرت ماركيوز: "مشروع اجتماعي تاريخي غرضه تحقيق السيطرة". أصبح الفكر جزء من دائرة صناعية تتحكم فيها أجهزة ومؤسسات استوظفته من أجل تخدير العقول، وإبطال قدرتها على ممارسة النقد. الفكر في ظل المجتمع السلعي صار يعبر عن رؤية مماثلة للعالم، تكرس الواقع بكل تناقضاته، وتوهم الإنسان بالتحرر، وهو كجوهر لفعل التحرر بالعقل والتعقل، يموت ويتحول إلى سلعة استهلاكية وأداة تخدير الجماهير وتدجينها في صورة معينة. " الأكثرية تتعود على استهلاك الوهم: فأوهام الثروة تباع للفقراء، وأوهام الحرية للمضطهدين، وأحلام النصر للمهزومين، وأحلام القوة للضعفاء" كما يقول نعوم تشومسكي. · طغيان الماديات، تبعية النشاط الاقتصادي وتشيء وتحلل العلاقات الاجتماعية الإنسانية: أصبح النشاط الاقتصادي، والإنساني تابعا، تلبية لحاجة تسويق المنتوج من اجل الربح المادي، بابتداع وبرمجة المستهلك، بدل إبداع المنتوج من اجل تلبية حاجة و/أو رغبة المستهلك، بحيث أصبح المستهلك لا يملك رغباته وإنما يستهلكها كمنتوج ومنتج، تباع أيضا مع السلعة بالإشهار كتسويق، كما أصبحت السلع قيما في حد ذاتها باسم الماركات كنظام وأسلوب حياة تتجسد في مواد أو حتى في أشخاص-أيقونات ورموز من فنانين وغيرهم، إضافة أن نظام الحياة وأسلوبه بذلك أصبح هو أيضا سلعة، وأصبحت ثقافة النجم هي المسيطرة فأصبح حتى السياسي نجما و/أو يبحث عن النجومية قبل أن يكون مسؤولا. لقد أصبح الإنسان تابعا لممتلكاته، تملكه بدل أن يملكها يمضي معها وبها أكثر وقته، وأصبحت العلاقات بين الناس من أجل الممتلكات، بدل أن تكون الممتلكات نتيجة العلاقة بين الناس. فالعلاقات أصبحت بين الأشياء بدل أن تكون بين الأشخاص، وأصبحت الأشياء هي الوسيط في العالم بدل أن يكون الإنسان هو الوسيط للعالم. والكارثة أن السلع في حد ذاتها تتهالك بسرعة وأصبح كل شيء مرمي و "طايوان" (Jetable et Taiwan). · اغتراب الإنسان عن نفسه وانتشار الأمراض النفسية الاجتماعية: يوصف واقع الحضارة الرأسمالية العالمية المعاصرة بالواقع المتناقض، ففي الوقت الذي عرفت فيه العلوم والتكنولوجيا تطورات خارقة وسريعة، شهدت العلاقات الإنسانية نكوصا خطيرا بلغ حالة من الفوضى والبدائية والعنف الذي شكل تهديدا لدلالة الإنسان وقيمته ووجوده، في ظل مجتمع تفاقمت فيه أمراض اجتماعية كالانطوائية والانغلاق، التعصب، والاغتراب المفضي إلى رؤية تراجيدية للواقع. والملاحظ في الأمر أنه في الوقت الذي تطورت فيه وسائل الاتصال ما يعني إمكانيات أفضل للتواصل الإنساني، نجد أن العلاقات الإنسانية دخلت في مرحلة من الفتور، وصار المجتمع الإنساني يعاني من تمزقات داخلية، مع تفشي النزعة الفردانية والاحتكار والأنانية والمنافسة غير الشريفة التي تسخر لها كل الوسائل الأكثر تطرفا أخلاقيا. · التقسيم الدولي للعمل والتبادل اللامتكافئ ثم إعادة التموقع الجغرافي للإستثمارات: قام الاستعمار كآلية من آليات النظام الرأسمالي، وكمرحلة له، لإنقاذ نفسه وديمومته، بالتقسيم الدولي للعمل، حيث فرض على البلدان المستعمرة استخراج المواد الأولية وإنتاج المحاصيل الزراعية النقدية (المحاصيل الإستخراجية) كسلع نهائية، مقابل تحويل البلدان الاستعمارية لهذه المواد إلى سلع أو مواد مصنعة، وهذا ما أدى إلى ما يسمى بالتبادل غير المتكافئ، يبيع فيه العالم الثالث موارده الإستخراجية والزراعية بأسعار بخسة مقابل شراء مواد مصنعة بأسعار عالية، مع دفع أجور زهيدة جدا لعمال "المستعمرات" مقارنة بالعمال "في الدول الرأسمالية"/ "المتقدمة". التبادل اللامتكافئ، يتلخص في مقايضة بين كمية قليلة من العمل ذات أجر مرتفع (أي سلعة العالم المصنع) مقابل كمية كبيرة من العمل ذات أجر منخفض (أي سلعة العالم الثالث). وقد تبدل شكله من خلال ما يسمى إعادة التموقع الجغرافي (La Délocalisation) بحيث أنهما يخضعان لنفس المبدأ، فبعدما كانت المواد الأولية رخيصة في صالح المصنعين ثم مع توحد الاقتصاد العالمي، تم استبدال رخص المواد الأولية، التي أصبحت في يد الشركات المصنعة العالمية، برخص اليد العاملة. حيث أن اليد العاملة في البلدان المتطورة بمستوى معيشتها يكلف أكثر من اليد العاملة في البلدان الفقيرة. كما يتم تهريب الأموال من الضرائب واحتكارها عن طريق إيداعها في ما يسمى الجنات الجبائية (Paradis Fiscaux)، خاصة من خلال تقنية تحديد المراكز الرئيسية الأم والحسابات المالية للشركات في الدول التي تدفع فيها الضرائب الأقل، رغم أن نشاطاتها كبيرة الحجم والأهم هي فروعها في البلدان الأخرى والتي أغلبها هي بلدان العالم الثالث. ذلك من خلال اتفاقيات عدم الازدواج الضريبي من خلال المنظمة العالمية للتجارة. · ضعف و/أو تبخر معدلات الادخار ومشكلة التمويل : إن تبخر و/أو انخفاض وضعف معدلات الادخار في بلدان العالم الثالث (منها الجزائر) التي ساهم فيها انتشار النمط الاستهلاكي الرأسمالي بفعل الإنفاق الكبير على شراء السلع الاستهلاكية الرأسمالية وتلبية حاجات السوق المحلية، مضخما التبادل اللامتكافئ، دفعت إلى طرح مشكلة تمويل الاستثمار بحدة في هذه البلدان، فجاء الحل بتدبير اقتصادي رأسمالي يتمثل في مضاعفة صادرات المواد الأولية وبالتالي انخفاض ثمنها، مع زيادة المساعدات والقروض التي تقدمها البلدان المتطورة، وكبح نمو السكان، وذلك ناتج عن عدم التخلص من الاستعمار الفكري من طرف المستعمرين، طالما أن الوصفة لا تتفق مع البديهي، ولا مع علم اقتصاد سديد، ولا مع الخبرة الذاتية. · إستراتيجية الصناعة الفكرية الرأسمالية العالمية وتلغيم طرح مشكلة التمويل من أجل الاستثمار: إستراتيجية الصناعة الفكرية تحاول أن تبطل قدرة الإنسان على التخيل، وتجعل الإنسان ضحية طوفان لا متناهي من السلع الفكرية من مثل الرأسمالية في حد ذاتها خاصة كجنة وبديل وحيد، سلع فكرية لا تمنح للإنسان متسعا من الوقت لكي يستوعب كل هذا السيل العارم من المنتوجات، فيكون عاجزا عن تأملها والتدبر فيها، والتفكير في كل أبعادها. ما تريده هذه الصناعة هو قبول السلعة الفكرية من مثل الرأسمالية، كما هي دون مراجعة، وتحويل المتلقي إلى مجرد واجهة استهلاكية منقوصة الفعالية، تفكر في مكانه، وتتخيل في مكانه، وتفرض عليه أذواق هي أشبه بمنبهات شرطية توفر للمنتوج الفكري إمكانية تسويقه. أصبح الفكر خاصة الرأسمالي منه يعرف بأنه "نتاج مصنوع ليوزع تجاريا وبالتالي يخضع لقانون العرض والطلب"، وبذلك فأول ما يخضع له هو آلية التصنيع، وينخرط في دائرة الإنتاج الصناعي الموجه للاستهلاك العام. من هنا يغدو الفكر الرأسمالي المهيمن فعلا استهلاكيا بالدرجة الأولى، والمتلقي هو المستهلك، لأنه يقوم باقتناء الفكر كمنتوج في المرحلة الأولى قبل الدخول في غمار استخدام ذلك الفكر الجاهز. تقتضي إذن صناعة الفكر وجود مؤسسات لها رؤوس أموال ومجهزة بيد عاملة وبآلات وتقنيات، والأهم من ذلك مدعمة باستراتيجيات وخطط عمل توضح سيرورة وصيرورة تحرك المنتوج الفكري في السوق، فالفكر ليس فقط صناعة، لكنه أيضا يمثل تجارة رابحة. وطغيان المنطق التجاري على حساب نشر الفكر يضاعف من الكارثة. فآليات النشر تراعي متطلبات الجمهور الافتراضي الذي يجب صنعه، وحاجات الواقع، فالناشر للفكر أو مندوبه يتمثل جمهورا معينا، ويختار بين ما يقدم له من منتوج فكري، المناسب أكثر، لهذا الجمهور. ولهذا التمثل، طابع مزدوج ومتضاد، إذ فيه، من جهة، حكم واقع على ما يفضله ذاك الجمهور، ليشتريه، ومن جهة أخرى، حكم قيمي على ما يجب أن يكونه ذوق وحاجة هذا الجمهور، انطلاقا من معطيات النظام القيمي للجماعة البشرية التي تجري العملية في بوتقتها. وخير مثال على ذلك، عملية سبر الآراء، فهي لا تنجز لمعرفة رأي الجمهور ومسايرته، وإنما للبحث عن نسبة موافقته لما أريد أن يكونه أو تعديل الخطة والإستراتيجية الأولية لقولبته من أجل ذلك بكل الوسائل المتاحة. وقد كان وانستن تشرتشل يقول بأنه لايؤمن إلا الإحصائيات التي زورها هو بنفسه. وبالتالي إن طرح مشكلة التمويل بذلك الشكل السابق عند الحديث عن أي مشروع أو انطلاقة اقتصاديين، يعود إلى انطلاق أصحابه من تصورات رأسمالية للاقتصاد، ويتجاهلون أن العمل والعلم أو الإنسان هما المنتجان الأساسيان للثروة وليس المال أو أدوات الإنتاج. فالآلات المتقدمة التي نحتاج إليها يمكن تعويضها عند الانطلاقة وقبل إنتاجها بالأيدي العاملة التي يدفع لها بالعملات المحلية بدل دفع العملات الصعبة للشركات الرأسمالية مقابل تلك الآلات المتطورة التي لا يتحكم فيها ولا يسيطر عليها إلا باستتباع عمال متخصصين لتشغيلها أو لإصلاحها من نفس الغرب يدفع لهم بالعملة الصعبة أيضا أو تكوين متخصصين محليين بالعملة الصعبة عند منتجي تلك الآلات الرأسماليين. فلماذا لا تدفع تلك الأموال للشباب البطال المتسكع في الشوارع بدل أن يأخذها العالم الرأسمالي؟ أو لماذا لا تدفع تلك الأموال لتكوين المتخصصين في البحث العلمي ودعم الاختراعات و الابتكارات المحتاج إليها بدل شراء الآلات المفروضة ومحاولة التكيف معها ومع شروطها؟ ألا يمكن القيام عن طريق ذلك بالتنمية الاقتصادية دون الحاجة إلى الاقتراض من الغرب ؟ حيث تعوض الطاقة الحيوية الموجودة بقدر الإمكان الطاقات الميكانيكية المفقودة، ويعوض الإمكان المالي بالإمكان الاجتماعي، حيث يزول مفهوم المستحيل، وتفك العقد التي تعطل النشاط منذ المنطلق، ويتم الانفكاك من المسلمات الوهمية التي تجعل العمل مقيدا بشروط غير طبيعية. · تقييد العمل بشروط مالية وإخفاء دور المال الحقيقي: أصبح العمل مقيدا بشروط مالية لا ينطلق بدونها. فلا يزال المال مهيمنا على تسخير العمل، مع بعض التخفيف في درجة القيود عندما ننتقل من البلاد الرأسمالية الصريحة، حيث يصبح المال وكأنه يخفي دوره أو لا يخفيه بتحول ملكية المال فعلا من الأيدي الخاصة أو المصرف إلى يد واحدة هي يد الدولة، من المصرف إلى الخزينة. فقد نشأ (المال) في الحقيقة ليقوم بدورين: الدور الأول: وهو دور تسهيل التبادل والمعاملات وهو دور متفرع عن عملية التوزيع. الدور الثاني: متفرع عن عملية الإنتاج وهو كوسيلة اختزان (توفير كما نقول اليوم) للجزء الباقي من عمل المنتج، حتى يستطيع رده على حاجات أخرى، أو على أيامه الأخرى إن كان توقف عمله بسبب مرض مثلا. فـ (المال) مهما كان نوعه ذهبا أو فضة أو ورق دون قيمة في ذاته، كان الوسيلة لاختزان العمل حتى يعود لصاحبه في حاجات أخرى أو في أيام صعبة، تماما كما تخزن الطاقة في بطاريات. وهو بذلك يمثل فائض العمل عن حاجات البيت، أو عن مقتضيات إنتاج الورشات، والتي تتحدد بمستوى المعيشة في ذلك الوقت والمحدد بدوره بطريقة الحياة وثقافة العيش وأدواتهما بتكلفة إنتاجها من الوقت مقارنة بالمعيشة اللازمة للمنتج لإنتاجه (يمكن التعبير عن ذلك بمعادلة إقتصادية مركبة ليس محلها هنا). وهو الفائض الذي يخزن بطبيعة الحال في خزان عند صاحبه أو أصحابه يرد فائض العمل لصاحبه أو أصحابه إذا اقتضى الحال، فكان الذهب يتعين عليه أن يقوم بهذا الدور لأن قيمته لا تنقص وتظل ثابتة أو تزيد حسب الفائض الفعلي للإنتاج الحقيقي المادي المباشر، لا التبادلي غير المادي، وفي المجتمع ككل، عن طريق السوق، ذلك عكس النقود الورقية حاليا (ما يجعل المعادلة المذكورة فيما سبق أعقد). وبقدر ما تراكمت وتجمعت الأموال، في منشآت المصرف، تحول أولا طابعها الاجتماعي، وأصبحت تمثل شيئا جديدا هو (الرأسمال)، ثم تحولت طبيعة الصلة بين المال والعمل، فبعد أن كان مجرد خزان للعمل أصبح سجانا له، السجان الذي لا يعترف لسجينه بحق سوى العمل في مصلحته. تجمع كل أموال المجتمعات في النظام الرأسمالي العالمي لدى مجموعة قليلة جدا من المؤسسات المالية والبنوك، عن طريق فتح الحسابات الجارية للصناعيين أو الزراعيين أو التجار المبعثرين هنا وهناك فيتحول البنك إلى عارف بكل المعطيات الاقتصادية للجميع، مما يسمح له بالإشراف والتأثير في العمليات الاقتصادية، فتسهل عملية الاستثمار لهذا وتعقدها لذلك، فيصبح المنتج تحت رحمة البنك عند تفكيره في إقامة أي مشروع اقتصادي، وبذلك تتحكم قلة من البنوك في إدارة وتوجيه مختلف المشاريع الاقتصادية، فتصبح سلطة قوية على المجتمع يمكن تسميتها بـ "سلطة المال" التي تعتبر أخطر سلطة في المجتمع، وهو ما يدفعنا إلى أن نستنتج أن أصحاب المؤسسات المالية الدولية والبنوك والمتحكمون فيها هم صاحب السلطة الفعلية في النظام الرأسمالي وليس السياسيين وما شابههم. واليوم تنوسي دور المال بوصفه مجرد خزينة يودع فيها فائض العمل، لتعيده لصاحبه عند الحاجة، وأصبحت أذهننا لا يمكنها تصور عمل دون مال، ولا مشروع اقتصادي دون تسبيقات مالية، وأصبح العمل فعلا سجينا لا يتحرك إلا بإذن صاحب السجن أي الرأسمال. · عدم الاستقرار وتضخم الأجهزة الأمنية، طغيان المجتمع العسكري على المجتمع المدني وتدعيم الدكتاتورية: وإن انخفاض وضعف معدلات الادخار في بلدان العالم الثالث، يضاعف الإنفاق الأمني والعسكري بسبب عدم الاستقرار الناتج عنها والصراع حول السلطة في هذه البلدان التي عادة ما تغذيها أو تخلقها البلدان المتقدمة، وهو ما يفسر تضخم الأجهزة الأمنية في هذه البلدان كمصدر وحيد للتشغيل وبالتالي طغيان المجتمع العسكري(المتكون من أفراد القوات الأمنية وأجهزتها وعائلاتهم المتضخمة على حساب الفئات العاملة الأخرى) على المجتمع المدني مما يزيد الطين بلة ويضاعف منحى الديكتاتورية ولواحقها. وتساهم هذه الصراعات والحروب بشكل كبير في تمويل الصناعات العسكرية في البلدان الغربية التي تشغل الملايين من العمال بنسبة كبيرة من الإنتاج الصناعي في المجال العسكري. كل ذلك دون إغفال الأرباح الضخمة التي تعود على الشركات الرأسمالية الغربية من جراء مساهمتها في إعادة تعمير البلاد التي خربتها الحروب التي ساهمت فيها ومولتها الشركات العسكرية. · الصراعات الطائفية، القبلية والعرقية والحروب الأهلية وعودة الأصوليات الدينية والعرقية: فالصراعات التي تعرفها دول العالم الثالث والمتخلف (دول الأطراف) من حروب أهلية وصراعات طائفية، قبلية وعرقية، إلى تعود إلى العولمة الرأسمالية التي تهدد ثقافات وهويات الشعوب، مما يدفع الكثير منها إلى الانغلاق أكثر على ذاتها وهوياتها لحماية نفسها من أخطار الرأسمالية، فترفض كل تفتح على الآخر، ويظهر التعصب للذات، الأصولية والرجوع إلى الماضي والهروب من الواقع زمانيا عن طريق الرجوع إلى الماضي ونشأة الأصوليات الدينية والعرقية خاصة، أو مكانيا عن طريق ما يسمى بـ"الحرقة" والهجرة بأنواعها المتعددة، مما يثير بدوره مختلف العصبيات الطائفية واللغوية والقبلية، والجهوية وغيرها من العصبيات التي تستعمل عادة كغطاء للاحتجاج السياسي أو الاقتصادي بتحويل الهوية إلى أداة سياسية عن طرق آلية تسمى إستراتيجية الهوية كإرادة يعبر عنها رجل أعمال سياسي بالتنقيب في رأسمال رموز وعلاقات هوية لتنشيط هوية مستترة وتحويلها إلى عرقية وإسقاطها كأداة في الحقل السياسي. ومع انحلال الدولة أمام الشركات وتغييبها الناتج عن طغيان النيوليبرالية المتوحشة، فإن هذه الصراعات تتضخم في خدمة نفس الشركات والطغمة الرأسمالية العالمية المتحكمة. لقد أفلحت الشركات العالمية والجماعات المتخصصة في إنتاج الحروب والأزمات، في تحييد دور الفكر وإفراغه من الجوانب المعنوية، ومن جوهره، وهو يتجه اليوم نحو عزلة كبيرة بفعل انشغالاته الذاتية، المنفصلة عن حياة المجتمعات التي ينتسب إليها، محاربة القارئ والتقاليد والدين والروح والأغلبية الساحقة (المسحوقة)، دون أن يدرك أنه يمارس استبدادا أو يساهم في تقوية الاستبداد القائم بابتعاده عن الموضوعات الأساسية التي تساهم في التأثير والتغيير. · الحروب كطبيعة للرأسمالية العالمية، وتشويه تطبيق النظرية الكينزية: إن الحروب التي يعيشها العالم هي من طبيعة الرأسمالية للحفاظ على أهدافها، فبعد الأزمة الاقتصادية في عام 1929 ظهرت الكينزية التي وضعها الاقتصادي الإنجليزي جون ماينرد كينز بتأثير من الأفكار الاشتراكية الصاعدة آنذاك، والتي تقول بأنه في حالة ركود اقتصادي لابد من رفع القدرة الشرائية للمواطن لكي يمتص فائض الإنتاج، وفي حالة العكس، على الدولة تخفيض الإنفاق الحكومي، وبهذا الشكل تتدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية لدعم القدرة الشرائية، بشكل أو بآخر، لهدف استمرارية آلة الإنتاج وعدم الوقوع في الأزمات الدورية للرأسمالية. لكن الرأسماليون في الولايات المتحدة يرفضون تطبيق هذا المبدأ، إلا في الصناعات العسكرية التابعة للدولة، فأصبح الإنتاج الصناعي العسكري وسيلة مهمة لامتصاص البطالة ورفع القدرة الشرائية للمواطن، وبالتالي يدعونا إلى فهم دور هذه الصناعات العسكرية في قيام الحروب، فيتبين لنا أن الرأسمالية تهدد السلام العالمي وأنها سبب الحروب لأنها بحاجة دائمة إليها لتسمح لها بتصريف فائض الإنتاج العسكري، وهذا ما يناقض ما يقوله البعض من أن الرأسمالية تحتاج إلى السلام الضروري للاستثمار. وفي بلاد العالم الثالث مثل الجزائر كما جرت دائما العادة تم اعتماد الكينزية مشوهة في شكلها دون روحها مثلما تم اعتماد الاشتراكية الخاصة و/أو المعدلة سابقا، حيث أن الدولة تستثمر في الهياكل والبنيات القاعدية من مثل الطريق السريع شرق غرب وغيره، كتطبيق للنظرية الكينزية، من اجل رفع القدرة الشرائية للمواطن ودفع عجلة الاستثمار والاقتصاد بضخ الأموال العمومية في السوق أي في حسابات الشركات (خاصة الوطنية منها)، لتشغيل اليد العاملة الوطنية والتقليل من البطالة. ولكن كما نلاحظ في بلادنا الجزائر مثلا، بحجة الإسراع في الإنجاز، أو تحويل التكنولوجيا وبناء الإنجازات والهياكل المتطورة، قامت الدولة باستيراد العمال الصينيين أيضا تدفع لهم رواتب ضخمة بالأموال الصعبة مقابل أعمال ودراسات يؤديها الجزائريون بأموال بخسة، وبالتالي تكون الأموال التي تم ضخها في خدمة الاقتصاد الصيني لا الاقتصاد الجزائري، وعلى أقل تقدير للأضرار. وإن نقل التكنولوجيا لا يتم بفتح أسواق الإنجاز للشركات الصينية ولكن بإنشاء شركات مشتركة الرأسمال بين الشركات الصينية والجزائرية من أجل الإنجاز وبإطارات وعمال جزائريين يتم تكوينهم من خلال تلك الشراكة. ويتم بها تجنب اتفاقيات منع الازدواج الضريبي بدفع الضرائب خاصة على الأرباح في الجزائر بدل الصين. وبالتالي لا يكون هناك تسرب الأموال والرساميل إلى الخارج في خدمة اقتصاديات بلدان أخرى. كما يتم تطير الشركات الوطنية وجعلها دولية. ذلك ما ظهر، وما خفي أعظم فيما يخص الشركات البترولية والاستثمار في استغلال البترول الجزائري. فلماذا لا تستثمر سوناطراك البترول الجزائري عن طريق فتح شركات مشتركة، وبالتالي تصبح قوة إقتصادية عالمية، بدل إمضاء عقود استغلال فقط معها. · المنظمات المالية الدولية ، مشكلة الديون وإعادة الجدولة: كان ضعف الادخار وراء لجوء دول العالم الثالث و/أو المتخلف إلى الاستدانة، والاكتشاف بعد سنوات، وقوعها في فك الأفعى المالية العالمية. فالمؤسسات العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ما هي في الحقيقة إلا أدوات في يد القوى الاستعمارية القديمة والجديدة لمواصلة نهبها القديم للشعوب التي استعمرتها من قبل. فبعد ما تقع بلدان العالم الثالث في مشكلة الديون تجد أنها غير قادرة على دفع الديون وخدمات الديون المرتفعة جدا(الفوائد غير الشرعية حتى اقتصاديا كما سنبينه لاحقا)، إلا إذا اضطرت إلى تكثيف صادراتها من المواد الأولية أو الزراعية التي تخصصت فيها من قبل بفعل التقسيم الدولي للعمل الذي وضعه الاستعمار في القرن 19م، مع فتح أسواقها لمنتجات الدول المتقدمة لتصريفها كنوع أخر الاستغلال والتبعية. بهذا الشكل حققت القوى الرأسمالية الكبرى وحافظت على نفس الأهداف التي سعى إليها الاستعمار في القرن 19م، ومنها ضمان المواد الأولية الضرورية لصناعتها بأسعار بخسة، مع ضمان أسواق تجارية لمنتجاتها بأسعار مرتفعة. كما أن الكثير من عائدات المواد الأولية تعود إلى الغرب الرأسمالي بطرق وأساليب عدة، منها حرص معظم الأنظمة الحاكمة في بلدان العالم الثالث على تلبية حاجيات السوق المحلية بفعل النمط الاستهلاكي (الرأسمالي) الذي توسع انتشاره بقوة خاصة في الطبقات العليا من المجتمع، بالإضافة إلى حاجة الأنظمة إلى شراء الأسلحة لدى الدول الرأسمالية المتقدمة لمواجهة أعداء الخارج والداخل، وهذه العملية هي التي يسميها بعض الاقتصاديين بعملية "تدوير الدولار"، أي بمعنى أن أموال عائدات المواد الأولية والطاقوية تعود إلى العالم الرأسمالي التي أتت منه على خدمات ديون وشراء أسلحة وسلع استهلاكية، في حلقة مغلقة ودورات متتالية للاستغلال . يصل الأمر في الكثير من الأحيان أن البلدان المدينة نفسها عاجزة تماما على دفع خدمات ديونها، فتضطر إلى إعادة جدولة الديون لتأجيل الانفجار الاجتماعي مؤقتا، وهي تدرك جيدا أن هذه العملية ما هي في الحقيقة إلا فخ معد بشكل محكم لاصطياد الفرائس التي تطالب بإعادة الجدولة ومن ثم إخضاعها بالقوة لهيمنة الدائنين لضمان الديون وإملاء الشروط والضوابط التي تكفل مصالحهم حاليا ومستقبلا من خلال ما يسمى بعملية التكييف، وهو ما يظهر بجلاء من خلال مطالب الدول المدينة، منها تحرير التجارة وفتح السوق بدون شروط أمام سلع الدول المهيمنة والرأسمالية، وتخفيض دعم الأسعار، تسريح العمال، خوصصة المؤسسات وبيع ذات النجاعة منها للرأسماليين أو إغلاقها وتوجيه الاستثمارات بقوة نحو الصناعات الإستخراجية مثل المحروقات والمواد الأولية، في إعادة لدورة الاستغلال، والهدف من هذا كله ليس فقط هو ضمان تسديد ديونها، بل ولضمان بقائها خاضعة لشروط عمل الرأسمالية على النطاق العالمي وتشديد استغلالها وزيادة انفتاحها. · ارتباط مصالح الطبقات الحاكمة بمصالح الرأسمالية العالمية ونهب ثرواته: ارتبط العالم الثالث والمتخلف ارتباطا وثيقا بالرأسمالية العالمية عن طريق ارتباط مصالح الطبقات الحاكمة فيه بمصالح الرأسمالية العالمية، فيشتركان سويا في نهب ثروات العالم الثالث والمتخلف بأشكال غير شفافة. ولم تكتف الرأسمالية العالمية بذلك فقط، بل توصلت إلى ربط مصالح الكثير من شرائح مجتمعات العالم المتخلف كالتجار الكبار وحتى الصغار، وأصحاب الأموال، عن طريق الاستيراد-استيراد إلى بلدانهم، بمصالحها، فتحول هؤلاء إلى مجرد وكلاء للشركات الكبرى في العالم الرأسمالي، وظيفتهم تسويق منتجات الرأسمالية العالمية في بلداننا بدل استثمار أموالهم الضخمة التي جلبوها بطرق عديدة في القطاع المنتج الذي يخلق الثروة وفرص العمل ويطور قوى الإنتاج المحلية، بل يمنعون ذلك حفاظا على مصالحهم في الربح السريع المتصلة بالعالم الرأسمالي، فينطبق بحق على هؤلاء المصطلح الصيني "طبقة الكمبرادور" الذي أطلق في القرن 19م على الذين يخدمون الأوربيين في بيوتهم. وأعتى من ذلك أن هذه الشرائح تقوم بتوفير أموالها وتهريب العملة الصعبة لبلدانها في بنوك الدول المتطورة وبالتالي تساهم في رخائها وإتمام دورة الاستغلال والنهب بإحكام، إن كانت مساهمتها في ذلك سلبية فقط بوضع الأموال في البنوك، ولم تقم بالاستثمار في هذه البلدان المتطورة أو لم تكن شريكة في الشركات الناهبة لبلدانها. في عالم اليوم انتهت البرجوازية الوطنية المتمركزة حول الذات والمتصارعة مع البرجوازيات الوطنية الأخرى. فالطبقة البرجوازية أصبحت عالمية مترابطة المصالح، ما دامت الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى هي المسيطرة، ويتحكم في الشركة الواحدة أناس من جنسيات وقوميات مختلفة، ولهذا فإن البرجوازية العالمية ستعمل جاهدة على توحيد العالم وتشكيل دولة عالمية واحدة بكل الوسائل مثلما ساهمت البرجوازية الوطنية في تكوين أو تقوية الدولة الوطنية/القومية في القرن 19م. وما يساعد هذه الطبقة العالمية اليوم هو تداخل المشاكل الدولية كتلوث البيئة والإرهاب والأسلحة النووية وخطورة انتشارها... وغيرها من المشاكل. فكل هذا يستدعي في نظرها إقامة حكومة عالمية تدير شؤون العالم، لكن هذه الدولة ستكون في خدمة هذه الطبقة مثلما كانت الدولة القومية في خدمة البرجوازية الوطنية أثناء القرن 19م. فيستمر بذلك الاستغلال وسلب فقراء العالم عرقهم وحقوقهم باسم القانون والشرعية، فأية محاولة لهؤلاء للثورة على هذا النظام العالمي الاستغلالي المجحف، فإنه يفسر من طرف البرجوازية العالمية السائدة بأنه تهديد للسلم العالمي واعتداء ضد الشرعية الدولية والقانون الذي وضعه الأقوياء على حساب الضعفاء. · فقدان الدولة للسيادة وتحكم جماعات المصالح وانتشار الفساد: طغت الشركات والمؤسسات الاقتصادية وفقدت الدول سيادتها ولو جزئيا وتدريجيا. كانت المؤسسات والشركات تحت سيطرة الدولة من أجل خدمة المجتمع، وتبدل وتطور الوضع بان أصبحت الدولة تحت سيطرة الشركات في خدمة الفئة المالكة لها مع تسليع المجتمع ، سائرين إلى خوصصة الدولة وقطاعاتها السيادية مثل قطاع الدفاع والأمن، قطاع التربية والتعليم، ...الخ ووضعها كمواد وقيم للبيع ضمن منطق السوق أيضا. الدولة في ضعف، اللوبيات (جماعات الضغط والمصالح الخاصة) هي التي تحكم، وفق نظرية البوابات الدوارة التي تعني أنك اليوم أنت وزير وغدا رئيس شركة تنفذ السياسات التي وضعتها في الوزارة. اللوبيات هي نوموكلاتورا. هذه النوموكلاتورا، هي معولمة، وهي مسؤولة بشكل واسع عن الفساد والرشوة المعممة والتي استقرت وتثبتت في معظم الإقتصادات والاقتصاديات، و التي نشرت انحلال الأخلاق العمومية والعامة وأبعدت هم الملكية المشتركة و الصالح العام في تسيير المجتمعات. إذن النظام النيوليبرالي قائم على الفساد وهو ناشره. يحاولون إقناع العالم أن اللوبيات هي تعبير عن الديمقراطية، وهذا غير صحيح. اللوبيات تمثل المصالح الخاصة للشركات (شركات السلاح، البترول والأدوية خاصة) عن طريق المال العام، هم خلف وأمام أبواب الوزراء والنواب في البرلمان لشراء الذمم ورشوة النظام السياسي لتوقيف القوانين التي لا تخدمهم ويدافعون عن القوانين التي تخدمهم، وهذه الرشوة نلحقها بالديمقراطية من خلال الحديث في الصحافة، وأن الرئاسة تعترض على المجلس التشريعي والمجلس التشريعي يعترض على السلطة التنفيذية، وفي الحقيقة هم وجهان لعملة واحدة. فحتى تترشح و/أو تنجح في الانتخابات يجب أن تكون غنيا بالملايين على الأقل، والمال في هذه الحالة يوجد في يد اللوبيات التي تنتظر خلف الأبواب. وهنا يجب أن لا نفرق بين ما هو ديمقراطي وما هو جمهوري لأن المال لا لون ولا طعم له ولا رائحة. ذلك مما يفسر انحصار السياسة وفعالية الأحزاب السياسية حتى في الدول الديمقراطية العريقة، وامتناع المواطن وابتعاده عنها ومطالبتها بالملموس والمال للمشاركة في نشاطاتها والنضال في صفوفها، مع انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات وعدم الاهتمام بها. الآن، أن ينتخب على الديمقراطية الاجتماعية أو إلى اليمين، هو نفس الشيء. الكل يقولون: "لا نستطيع القيام بأي شيء، السوق هو الذي يقرر، وكالات التنقيط (Agence de notations)، الحزب الأعلى لرأسمال الاحتكارات" · المخادعة بالديمقراطية المزيفة وبرمجة الجمهور وصناعة القبول، خاصة للحلول الأمنية والتدخلات العسكرية والحروب: في البلدان الديمقراطية، الناس مؤمنون حقا أنهم أحرار. في الواقع، إنهم أقل حرية بكثير مما يؤمنون به. يجب قراءة كتاب نعوم تشومسكي، اللغوي البارع والناشط الأمريكي، " صناعة القبول" (la fabrication du consentement). مثال: الأخبار التلفزيونية تعلن أحداث عنف كل يوم، تصاعديا أكثر دموية في كل مرة. بعد مدة البرمجة للجمهور، يقام صبر أراء. يقام الإعلان بعد ذلك،عن اكتشاف أن الرأي العام بالأغلبية يطالب بحل أمني. بنفس الطريقة، يصبح الرأي الشعبي، بدون أن يعرف، هو صوت سيده. أكثر من ذلك ، قرارات التدخل العسكري الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية أو قرارات دول الحلف الأطلسي، تأتي عكس رغبات الرأي العام في بلدانها عندما يقرر الأمر، ومع ذلك تنفذ دون أن يعتبر ذلك مساسا بالديمقراطية أو حرية التعبير وحقوق" الإنسان"، فالديمقراطيات الغربية تكذب علينا عندما تقول أنها قائمة أساسا على رأي أغلبية شعوبها، وإنها تلتزم رأي الأغلبية فقط عندما يتعلق الأمر بمصالح الرجل الأبيض، أما ما تعلق بالشعوب الأخرى وبقية العالم، فالأمر بمعايير أخرى هي أقرب إلى الإبادة، سواء رضي الرأي العام الداخلي أو العالمي أم لم يرض، وذلك في انسجام تام مع وحدة المصالح ذاتها وازدواجية المعايير المميزة للعالم الغربي والمعروفة منذ قرون من الزمن. بربرية الغرب بربرية عاقلة، هادئة. يمارسها من أجل الإبقاء على حالة العالم في خدمة أهله فقط. هذا الإبقاء يمر عبر نشر الفقر والفوضى عند الآخرين. مهما كان وحدث. سمو الغرب يعادل التضحية ببقية الإنسانية. وبالرغم بأن أغلبية المواطنين بنسبة كبيرة ضد التدخلات، يلاحظ أنها تتم في تكرار جديد لنفس السيناريوهات السابقة وبنفس الحجج الديمقراطية الشكلية المعهودة من حماية حقوق الإنسان، القانون الدولي الإنساني، محاربة الديكتاتوريات ...الخ. وليس هناك سوى تفسير واحد في ذلك المستوى يقوم على إلغاء كل تلك القيم والشعارات التي باسمها تتم التدخلات، هو البحث في ما تدره تلك الحروب من أموال على تجار السلاح والعتاد، وما تحققه للحلفاء من أجل مزيد من الهيمنة على الثروات، فلا ديمقراطية ولا عدالة دولية ولا دفاع عن الأبرياء، ولا حتى احترام الرأي العام الداخلي للشعوب البيضاء. حاضرا في ما يخص سوريا مثلا، الكل يرفع علم الأخلاق. والأسوأ والأمَر أن الكل يؤمن بذلك. بالضغوط الخفية، "سياسة الصقور" من جميع التشكيلات، يمارسها أرباب "العقب الحديدي" من الصيارفة المرابين، الحكام الفعليين في العالم، ويراهنون دائما على حرب كونية أوسع من الحروب الدائرة في أقطار العالم، مواجهة مفتوحة بين القوى العظمى، تسمح لهم بإعادة توزيع الأوراق الرابحة، وغسل ثرواتهم، وتجديد منابعها، كما فعلو في أعقاب الحربين العالميتين السابقتين، وهم بلا ريب يحضرون لحرب كونية ثالثة، ولا يعنيهم البتة لأي الفريقين تعود فيها الغلبة، وقد وزعوا بيضهم بين السلتين، ونقلوا "البيضة الأم " من الرحم الغربية المصابة بأعراض سن اليأس إلى الرحم الواعدة، كما نقلوها سابقا إلى أمريكا. · انحراف النقابات والمنظمات العمالية عن مبادئها ومهامها الأساسية و"كوربوراليتها": وإن ما يسمى النقابات العمالية أو بقاياها قد تخلت عن دورها الطليعي والتقدمي بالدفاع عن الطبقات المحرومة التي وجدت من رحمها ومن أجلها، وأصبحت حليفة من حيث لا تدري لما يحدث نهب واستغلال في بلدانها بحيث أنها أصبحت مطلبية نفعية في مطالبها تبغي الفتات وتطالب بالزيادات والعلاوات، بدل أن تكون نقابية حقا برفع المطالب السياسية المتعلقة بالنظام ككل في أصوله بدل المطالبة بالزيادة في الأجور وغير ذلك. وذلك تبعية منها أيضا للحركة العمالية العالمية والمقيدة بقيادتها من طرف المنظمات العمالية في الدول الرأسمالية المتقدمة. حيث أن هذه الأخيرة تم شرائها بالأموال المنهوبة من بلدان العالم الثالث، وأصبحت هي بحد ذاتها رأسمالية عن طريق رشوتها من طرف النظام الرأسمالي، وعن طريق استثماراتها لأموال الخدمات الاجتماعية في الأسواق المالية، وتملك قياداتها لاستثمارات إقتصادية مع انحراف عقيدتها النقابية. بعض الحلول الجزئية وتصحيح المسار لتغيير المصير: وبذلك يكفي لفهم النظام الجزائري العصي على الفهم كأعقد بلد متخلف من العالم الثالث، أن نقوم بإسقاط ما ذكرناه على واقعها كإطار أمثل للتحليل دون استبعاد الجزئيات المتعلقة بالنظام في البلد المعني. كما يكفي بعد ما وضحناه كأسباب وكيفيات عمل أن نقوم بإيجاد الطرق الأمثل لتجنبها من طرف الدولة أو حزب سياسي مثل حزب جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس) الذي أناضل فيه لإحداث التطور والنهضة المنشودين كبرنامج سياسي إن منعهما الإرث التاريخي الرمزي لهما أو أي شيء آخر من تبني التشاركية في حينها، والتي نحن بصدد توضيحها من خلال الكتاب المذكور في المقدمة، المقتبسة منه هذه المداخلة. · قوة الأحزاب ببرامجها السياسية: وإن قوة أي حزب سياسي، بخاصة، في قوة اقتراحاته والبدائل التي يقدمها لفرضها كحلول كأمر واقع مفروغ منه بفضل قوة الحجة وتعالي التحليل ومحايثته للواقع. مع النشاط الميداني الفعال بمحاولة تجسيد ما يمكن منها ذاتيا وغرسه سلوكيا وثقافيا في الأفراد والمجتمع، وعدم الاكتفاء بالمطلبية والضغوطات الاحتجاجية فقط. فيتمثل البرنامج السياسي في صياغة المطالب والأدوات المرافقة للإجراءات المختلفة اللازمة من خلال طرائقها العملية وأساليبها أيضا، رغم أنها مهما تكن تبقى منقوصة بالنسبة إلى الحل التشاركي. ومن هذه المطالب والإجراءات: - على المستوى الاقتصادي: علاوة على ما ذكر سابقا في يخص تطبيق النظرية الكينزية وما يتعلق بها، بإنشاء شركات مختلطة بالشراكة، وغير ذلك من ما أشير ولمح إليه في مواضع أخرى، يجب أن: يتم تقييد الاستيراد-استيراد من خلال دعم الإنتاج الوطني وتشجيع التصدير مع ترشيد الاستهلاك الوطني، لمنع خروج الأموال والعملة الصعبة الوطنيين من البلد بمنع فتح الحسابات البنكية خارج البلد إلا بموافقة الدولة مع إلزامية استثمار جزء من تلك الأموال داخل الوطن مقابل كل اقتراض من الخارج أو تحويل العملة الصعبة إليه من أجل العمليات التجارية. بالإضافة يتم إلغاء نسبة من الضرائب للوكلاء الذين يستثمرون في ميدان نشاطهم إنتاجا في الوطن، كما يفرض عليهم شرط تمويل بحوث ومراكز علمية متخصصة ومتعلقة بميدان نشاطها كشركاء في هذه المراكز، مع منح تكوين عالي المستوى في الخارج لموظفيهم في ميدانهم وتمويل منح دراسية في الخارج للطلبة الجامعيين المتفوقين في اختصاصهم للقيام تربصات ميدانية عملية طويلة المدى عندهم في مؤسساتهم داخل الوطن، وتربصات قصيرة المدى في الخارج في المؤسسة المركز، وذلك بفتح بنوك خاصة أو صناديق مساهمة في تمويل البحوث العلمية، الدراسة والتعليم، وتسجيل براءات الاختراع (حيث أن مصاريف تسجيل براءات الاختراع والابتكارات غالية ومكلفة جدا، وأن بيع هذه الحقوق هي تجارة ضخمة ومحور أساسي يدور حوله الاقتصاد المعاصر وقوته)،هذه البنوك و الصناديق الخاصة تقدم إعانات حسب شروط أو قروض بدون فائدة. فمثلا في هذا الميدان، في الصين، أكثر من 2.6 مليون صيني قاموا بدراستهم في الخارج ما بين 1978 و 2012، ما يجعل من الصين أول مصدر للطلبة إلى الخارج، حسب المعلومات المنشورة بتاريخ يوم الجمعة 13 سبتمبر 2013 من طرف المركز الصيني لخدمات تبادل المواهب التابع لوزارة التربية. وفي 2012، ما يناهز 399.600 صيني تابعوا دراستهم في الخارج، إما ممولين من طرف الحكومة أو مستخدميهم، إما من طرف إمكانياتهم الخاصة، كما حدد نفس المركز. فمن أهم التحولات الاقتصادية الكبرى في القرن الواحد والعشرين(21م)، انهيار القاعدة الكلاسيكية القائلة بأن رأس المال والمواد الأولية والأيدي العاملة فقط هي العناصر الأساسية للإنتاج الاقتصادي أو المصادر الأساسية للإنتاج والقوة الاقتصادية. الاقتصاد تحول من المادية إلى اللامادية، وبعبارة أخرى أصبحت المعرفة هي العامل الأساسي والحاسم في بناء القوة الاقتصادية لأي بلد كان. أما في بلدان العالم الثالث والمتخلف، فإنها تساعد العالم المتقدم الرأسمالي علميا بتكوين علماء وباحثين ثم تطردهم إلى العالم الرأسمالي والمتقدم بفعل العوامل العديدة، منها عدم توفر مناخ الحرية الضرورية للبحث العلمي والفكري، بانعدام الديمقراطية الحقيقية التي تتعايش فيها كل التيارات، مما يسمح للمفكر والباحث بالمساهمة في تنمية بلاده. فبلدان العالم الثالث والمتخلف لا تساعد فقط العالم المتقدم والرأسمالي عن طريق ما يسمى هجرة الأدمغة من خلال تكوين العلماء والباحثين بتكاليف كبيرة ثم طردهم لعدم توفير مناخ وشروط البحث وعدم الاستقرار والنزاعات، بل إنها من خلال إنفاقها الأموال الباهظة في شراء الأسلحة، لفض النزاعات، تنفق على البحث العلمي في العالم الرأسمالي والمتقدم، حيث أثبتت الإحصائيات أن (25%) من قيمة صادرات الأسلحة في العالم الرأسمالي تنفق في البحث العلمي. ولهذا السبب فمن مصلحة العالم الرأسمالي والمتقدم إشعال النزاعات والصراعات في وبين دول العالم المتخلف، بهدف توسيع أسواق السلاح. خلافا للبلدان المصنعة التي تستثمر 3500 دولار للتلميذ الواحد في المرحلة الابتدائية، في إفريقيا تحت الصحراوية الدولة لا تستثمر سوى 10 إلى 15 دولار (إفريقيا أمل، 2004). زمبيا، مثلا، استثمرت دولارا واحدا في التربية لكل طفل وتصرف ستة دولارات لإرجاع ديونها. هذه الأرقام تبين بأن الديون العمومية الخارجية لإفريقيا تضعف النظام التربوي و تعيق تجسيد الأهداف ([2]). عدد كبير من الأساتذة الجامعيين، أين نذكر أكثر من 20.000 حاصل على شهادة دكتوراه، يتركون القارة الإفريقية كل سنة حسب المنظمة الدولية للمهاجرين (OGM). سبب هذا الاستنزاف للأدمغة هو الشروط والظروف السيئة للعمل. من جهة أخرى، حسب المعطيات المنشورة في 13 سبتمبر 2013 من طرف المركز الصيني لمصالح تبادل المواهب التابع لوزارة التربية، منذ إطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج في 1978، حوالي 1.1 مليون تلميذ وطالب صيني اختاروا الرجوع إلى الصين بعد نهاية دراساتهم في الخارج، أي 72.38 % من المجموع. في 2012، ما يقارب 272.900 تلميذ وطالب صيني في الخارج رجعوا إلى البلاد. - وعلى المستوى الاجتماعي: يتم دعم المجتمع المدني ليتعادل مع المجتمع العسكري في الدولة، من خلال دعم النقابات والجمعيات والإكثار من ذات النفع العام خاصة تعاضديات وتعاونيات العمال جمعيات المستهلك وجمعيات الحفاظ على البيئة، ومن خلال تمويل نشاطاتها من طرف التجار بنسبة من أرباحهم كضريبة اجتماعية. ذلك إضافة إلى تطوير الصناعات العسكرية وجعل المجتمع العسكري مجتمعا منتجا لا مجتمعا ريعيا أميبيا بفتح مؤسسات عمومية عسكرية في آخر ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا العسكرية غير النووية. والإنفاق العسكري والأمني الضخم، لا يمكن التخلص منه إلا بإقامة ديمقراطية حقيقية لا تقصي أي طرف في المجتمع، وتحويل أجهزة الدولة من خدمة طبقة أو حزب أو فئة أو شريحة أو جهة أو طائفة أو قبيلة إلى خدمة كل المجتمع دون استثناء. فكما أن الثروة توصل إلى السلطة في الأنظمة الديمقراطية البرجوازية المبنية على الرأسمالية، فإن السلطة توصل إلى الثروة في الأنظمة الدكتاتورية عن طريق الفساد والرشوة والنهب، فتبقى البلاد في الحلقة المفرغة المذكورة سابقا من دون الانتقال إلى الديمقراطية والحقيقية والتنمية اللازمة. و إن اليوتوبيات أو الإستهامات الفئوية تتغذى من الأوضاع الدرامية والأعطال التاريخية. وكلما تداعت الأوضاع بصفة أكبر، فإن صعود هذه الأشكال من الإثبات يتدعم أكثر، كلما كانت العوامل الاجتماعية اللازمة متوفرة. ولطمأنة أصحاب السلطة في الديكتاتوريات، فإنه حتى لو انتقلنا من ديكتاتورية إلى ديمقراطية برجوازية فإن الحاكم الفعلي والمختفي وراء الستار هم الذين اكتسبوا الثروة بفعل مناصبهم في النظام الدكتاتوري. - أما على المستوى المالي والجبائي: تمنع الاستدانة من الخارج من طرف الدولة مهما يكن وتعوض الإمكان المالي بالإمكان الاجتماعي من خلال العمل ولو بالأيدي دون الأدوات المتطورة ابتداءا، لأن المال ما هو إلا تخزين للعمل كما أسلفنا الذكر، ويفرض على الخواص الطالبين للقروض الخارجية في تجارتهم الدولية وضع حصة من أموالهم رهن الخزينة العمومية حتى يقوموا بدفع ديونهم. ويتم حساب ميزانية التسيير للدولة وصرفها فقط على أساس المداخيل الجبائية المتوقعة فقط لا غير. وفيما يخص السياسة الجبائية أيضا فيجب رفع نسبة الرسم على القيمة المضافة على المواد الاستهلاكية للأغنياء والكماليات. · استقلالية القضاء كشرط مبدئي كلي وأساسي: كل ما سبق لا يمكن إحقاقه إلا مع استقلال القضاء استقلالية تامة كأساس محوري لدولة القانون التي تضمن كل شيء، فالعدل أساس الملك، و"ينصر الله الدولة الكافرة العادلة ولا ينصر الدولة المؤمنة الظالمة" لأن الظلم ينفي الإيمان وكان الكفر ظلما عظيما. فـ "عندما يكون هناك العدل حتى الحيوانات تدخل في النظام". والظلم والاستبداد الناتج عن حكم الجهل وانعدام المعرفة هو أصل كل الآفات. · دور الدولة ودور الحزب خاصة فيما يخص النقابات: إن دور الدولة هو أنها فوق المصالح، فوق مصالح اللوبيات، أو الشركات، أو البورصة أو غيرها من المصالح. إن دور الدولة هو ضمان ثلاث عناصر أساسية هي: 1) ضمان كرامة المواطن، 2) حماية الإقليم وضمان الأمن للجميع، والحفاظ على سيادة الدولة و 3) تساوي الجميع أمامها وتعاليها فوق الجميع بنفس القدر. وإن دور الحزب السياسي هو فرض أجندته السياسية وجدوله السياسي والزمني في الساحة الوطنية والدولية، ليس وصول أفراده إلى السلطة وإحتلال مواقع في أجهزة الدولة، بقدر ما هو سلطة وصول أفكاره ومقترحاته إليها وفرضها على الخصوم ليتبنونها ويناضلون من أجلها وبالتالي فرض أفكاره وأجندته عن طريق وضوحها وحجيتها في برنامجه السياسي. وإنه يجب توريط، إشراك، ودفع النقابات العمالية إلى رفع المطالب السياسية والاهتمام برقابة وإصلاح النظام ككل بدل الاكتفاء بالسياسات الاقتصادية لقطاعاتهم فقط، وإلى التوحد بدل انقسامها وتعارضها بحيث يتبجح النظام بعدم قبول مطالب إحداها لتعارضها مع مطالب الأخرى. كما على النقابات الاهتمام ليس فقط بالعمال المنضوين تحت قطاعها فقط، وإنما بكل شروط العمل وعدم الاستغلال أينما كان وبمساعدة العاملين في عقود ما قبل التشغيل والتحالف مع البطالين الذين هم المنافسين في سوق العمل والعمال المستقبليين. بحيث يتم إنشاء مرصد وطني للعمل يراقب شروط العمل ومدى توفير حقوق العمال ويصدر بيانات وتقارير تخص سياسة التشغيل، ويقوم بنشاطات تفضح كل خرق لقوانين العمل ولحقوق العمال أين كان، كما يقوم بتكوين العمال والنقابيين فيما يخص العمل النقابي وحقوقهم وكيفيات المطالبة بها وحمايتها وتطويرها. · الوسيلة الأولية إلى إحقاق البدائل والحلول: ويتم، أيضا، كل ذلك عن طريق التوعية به وتكوين الوعي الجمعي لا الفردي فقط. فالقضية قضية وعي قبل العمل وأن الوعي الفردي في المجتمعات دائما أعلى وكامل من الوعي الجمعي، ولكن يبقى تابعا لا مستتبعا للوعي الجمعي الناقص والمفتت الذي لا يؤدي إلى إرادة جمعية موحدة، وفي أحيان كثيرة معدوم عن قصد. [1] - روجيه غارودي، مشروع الأمل، الآداب، ط1 بيروت 1977، ص 32 [2] - Marcelline Djeumeni Tcramabe. Pratiques pédagogique des enseignants avec les TIC au Cameroun entre politiques publiques et dispositifs techno-pédagogiques, compétences des enseignants et compétences des apprenants, pratiques publiques et pratiques privées. Thèse pour obtenir le grade de Docteur de l’Université Paris Descartes, discipline sciences de l’éducation, 2011. https://docs.google/document/d/19_xuoq8hAiEuoLwn_rg8R-6xNaNDYhcbZgRJLOs3dbA/edit?usp=sharing
Posted on: Sat, 21 Sep 2013 19:03:30 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015