|بين الحرف والحرف | ذكريات قلم أولُ - TopicsExpress



          

|بين الحرف والحرف | ذكريات قلم أولُ عهدي بالخط العربي أذكرُه كان في الإبتدائيّة، في سلطنة عمان، لمّا كنت في الصف الثالث، ولا أذكر لي اهتماما بفنون الخط قبل ذاك. كنت أجلس بجوار صديق لي انقطع دونه الخبرُ من أيامها ولكنّني أذكره الى اليوم، يدعى يونس، عُماني، كان في كتابته لهُ رسمٌ فريدٌ لحرف "الراء"، أعجبني، فجعلت أقلّده فيه حتى أصبحت أرسمُه مثله، وما عدوت رسم يونس في الراء حتى الثانوية، ومن وقتها جعلت كلما أعجبني رسمُ حرفٍ أجده مخطوطا في كتاب أو لوحة أو أي مكان - أقلده كما هو حتى أحفظه ثم أحُسِّن به ما عندي عاين فيَّ والدي هذا الاهتمام، وكما هو أستاذ، جاء لي "بكتاب المعلم" لتعليم الخط، ولم يكن للطلاب في منهج اللغة العربية كتاب للخط، ولكن هذا ما وقع عليه كتاب أخضر صغير، لا يعدو المائة صفحة بكثير؛ لست أحفظه لليوم، فقد أهديتُه وعلبةَ ألوانٍ أحدَ الأقارب الصغار منذ أمد لمّا رأيت منه بوادر بحسن الخط، وأحسبه ضيّعهُ من قديم لم يحوي الكتاب أكثر من شرحٍ مبسّط جداً لخطي النسخ والرقعة، وإيماءات خجولة بتاريخ الخط العربي وأدواته أدمنت النظر في الكتاب طويلا حتى حفظته عن ظهر قلب، وما أذكر أنه فارق يدي في طلعاتي أبداً، وصحبته الأيام والليالي. وكما حال المغتربين قطعت دراستي الإبتدائية في عمان لأواصلها هنا في المدرسة الأساسية فترة من أهم الفترات في مشوار الخط العربي في حياتي، تلك هي الفترة التي قابلت فيها صديقي الباشمهندس علاء الدين عمر، تلك الفترة التي أثرت فيّ كثيرا وكانت بنى لحياتي الأكاديمية والاجتماعية كان لعلاء -وأحسبه لازال- خطّ جميل جداً، بلَغ بيَ الغاية في الإعجاب، وكنت أغبطه عليه جداً، وكان محل اشادة عند كل من عاينه، فيشهد له بالنبوغ والعبقرية فيه، ففعل فيّ بنفس ما فعل راءُ يونس، ولكن لأثر المنافسة الأكاديمية مع علاء آنذاك، لم أكن أطمح فقط لأن أقلّده، وانما لأرقى بنفسي فوق ذلك ومن حُسن خطّنا أنا وعلاء كان الأساتذة في الفصل يجعلوننا نخط الشهادات في المدرسة وكانت شهادات الطلاب في موسم النتائج هي المعرض المفتوح للوحاتنا الخطية ومن الأخبار الظريفة في تلك الفترة أنني كنتُ وعلاء يكتبُ كلّ واحدِ منّا شهادةَ الآخر، وأذكرُ غير مرة أن استغضب أحدُنا لمّا ظن أن الآخر كتب شهادته بخطٍّ شين. في تلك الفترة أيضا كان أولُ اقبالي على الخط الكوفي، وأذكر أول محاولاتي فيه، في كراسة الرياضيات أحلُّ تمرينا حسابياً. لا أعلم ماذا كان يجول بخاطري ساعتها؛ أهي الألفات الممدودة أم الرؤوس المعقوفة أم الزوايا القائمة ما دفعني لكتابة تمرين الرياضيات بالكوفي! وأذكر أن علّق الأستاذ وهو يصحح التمرين "اتعلمت ليك خط جديد ولا شنو؟". أعلى اهتمامي بالخط كان في الثانوية؛ عصر الجرائد الحائطية، كنا نقعد عن الطابور، أنا وثلة من الأصدقاء، وكان يسمح لنا في ذلك الأستاذ نادر؛ استاذ البلاغة، فنخط المجلّة بطول الحائط في خمسة أو ستة أمتار في أحيان، وكانت تُحفاً حقيقة في تصميماتها ومواضيعها وقد كان للأستاذ نادر خطٌّ بديع، وكان له طرائق مميزة في التعامل مع الألوان والخامات، وقد أفدت منه كثيراً. كانت لنا مجلة تسمى "دعاش" هي من ذوات الستة هذه. وقع في يدي أيامها كتاب للخط الكوفي، هو كتاب الخطاط العراقي أحمد صبري زايد، ومما تنامى في عقلي في تلك الفترة إيمان أن كل موهبة فطرية لا تقيّد بالعلم والمعرفة الضرورية، على قدر الشغف القائم بها، لا محالة سنتٌ ليس تثمر شيئاً كان كتاب صبري زايد بالنسبة لي هو المحطة الأكبر في هذا المشوار، وكان أن قعدتُ عليه أيام الثانوية كلها فكان شغلي الشاغل، حتى أتقنت منه خطي كوفي المصاحف والكوفي الفاطمي. برغم أني كنت أحاولُ أن أبدع لوحاتي الخاصة قبل ذلك، ولكني أحسب هذا الفترة هي بدأة نماء خيالي وحسي الخاص للخط، حتى بدأت أنشئ لوحاتي الخاصة وأحفظها، وقد كنت قبل ذلك ازهد فيها وأهملها. في الإجازة بين الثانوية والجامعة ممّا أجدتُ الخط صنعت يافطة لدكانة لأحد الأقارب، وأذكر أنني افترشت عليها الأرض ليومين، وأصاب ظهري ومفاصلي في ذلك ما أصابني. تنامى شغفي بالخط الكوفي كثيرا في تلك الفترة، وبتُّ أحبه وأستمتع به أيما استمتاع، ومع ما أفرز التطور الطبيعي في ذلك من دراسة في كتب الخط وتاريخه وأدواته ومبانيه، وإطالة النظر فيها، بدأت في صناعة لوحات خطية خبشية بالخط الكوفي، وجمعت لذلك المال وشريت أدوات النشارة الخاصة وكنت أتردد على الأسواق والمكتبات يوميا أشتري ألواح الخشب والأحبار وسنون المناشير، حتى أنني بت أخبر أغواراً ما أظنني أخبرها لولا حوامة تلك الأيام كنت لهندسة اللوحة ونشارتها أقعد ما لا يقل عن الثلاثة أيام، كنت أحبس نفسي فيها في غرفتي للفترات طويلة جدا لا أقوم عنها ما تقطعت الأسباب وكانت الوالدة تغيظ بسبب ما يملأ أرض بيتها نشار الخشب وبقع الحبر. كنتُ في تصميم لوحة ما، أجعل أتخيل الرسم في عقلي وأخطه في الهواء باصبعي، وأجعل ألوح باصبعي لا أعبأ قريباً ولا غريباً، حتى ليسألني الواحد مستغرباً ماذا تكتب؟! وأجد في ذلك من كل صوب ملهما ومن كل حس أداة للإبداع سقاها الله أياما عُرض عليّ في احدى اللوحات مبلغٌ مقدر جدا من المال، كان حريّا بي أن أبيعها وأفيد من ثمنها قرشا أبيضا لهذه الأيام الكاحلة السواد. ---------------------------- للصدق بدأت كتابة هذه الكلمات لأقيد خاطرة تراودني منذ أيام ولكن من السطر الأول انطلقت الأحرف في غير ما أريدها، ولرسن الكلمات لو انحل ليس له رابط كنت أرمي لأتحدث عن حال الناس من الدراسة الأكاديمية، وأنها باتت لاتشكل اهتماما حقيقا في حياة الطلبة وإن كانت تشغل أوقاتهم وتملأ فراغهم- ولكنها لا تشكل هما حقيقا في وجدانهم، ولا تضجع مراقدهم، ولا تحول ركنا أساسيا في ذواتهم، ويكفي أن تسأل الواحد فيهم عما يشغل به نفسه في ساعات فراغه، قلّ أن تجد منهم من يقول أذاكر المادّة الفلانية ولَهذه حالة -والله- لا أحسب معها نماءً في العلم أو المعرفة إلّا بقدر ما يشبع البطن ويملأ خواء الجيوب !! وابقا سلملي على الإبداع .. !
Posted on: Tue, 01 Oct 2013 19:36:52 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015