مظاهر التعسف في العقد إن الشرط - TopicsExpress



          

مظاهر التعسف في العقد إن الشرط يكون تعسفيا إما لطريقة إبرامه أو لصفة الأطراف المتعاقدة حوله، وهذه الصفة تكون بالضرورة مختلفة و هذا الاختلاف بين المتعاقدين في عقد يغيب فيه التفاوض هو الذي يؤدي إلى إرساء الشرط التعسفي حتى أن البعض يعتبر هذا الاختلاف في الصفة من أهم العناصر التي تميز الإجحاف1 . كما تمثل خصوصية عقد الإذعان إحدى مكونات البند التعسفي ذلك لما لخصوصية العلاقة بين طرفي العقد و المتميزة بالتفاوت و عدم التساوي تأثير هام في تحديده . إن التفاوت بين المتعاقدين يفيد بالضرورة وجود حالة من عدم التساوي بين الطرفين ، طرف قوي يختار بنفسه محتوى العقد و يملي شروطه على معاقده الذي يكون حتما في وضعية الضعيف إزاءه 2. و يمكن أن يبرز هذا التفاوت سواء على المستوى الواقعي و القانوني أو على المستوى الاقتصادي و التقني . فقد حرص المشرع على تنظيم بعض العلاقات نظرا لوضعية الطرف الضعيف التي تؤهل لإعمال التعسف تجاهه و مثال ذلك العلاقة بين الأجير و المؤجر من ناحية و بين المكتري و المتسوغ من ناحية أخرى و مهما يكن من أمر فإن العلاقة بين الأجير و المؤجر يحكمها النظام العام الحمائي بشكل كبير لدرجة أنه لم يترك فيها مجالا واسعا لاستعمال المؤجر للتعسف إزاء معاقده من خلال شروط العقد كما تفطن المشرع إلى التفاوت الموجود بين المتسوغ والمسوغ في عقد الكراء و حرص على أن لا يترك لهذا الأخير فرصة كبيرة للتعسف إزاء معاقده عبر شروط يدرجها لصالحه ذلك أن عقد الكراء قد نظم في كامل جوانبه و كان التنظيم غالبا في صالح المتسوغ 3 . لعل ضعف أحد طرفي العقد لا يكون فقط بسبب الحاجة و إنما يعود كذلك إلى عوامل اقتصادية و تقنية بما معناه عدم التساوي بينهما من ناحية القوة المالية و ذلك خاصة نتيجة وضعية هيمنة 4 أو إحتكار من أحدهما 5. _____________________ 1 – (E ). Agostini , «l’équité », D, ch., p 7 et S. 2 – رفيعة المديني ، نفس المرجع، ص 30 . 3 – رفيعة المديني ، نفس المرجع، ص 30 إلى 35. 4 – توخي الهيمنة بوجود الطرف الأضعف في العقد في وضعية دنيا تنم عن التبعية ولعل أهم صورة للهيمنة هي الاحتكار. 5 – رفيعة المديني ، نفس المرجع ، ص 35 . – 6 - و عادة ما يقترن التفوق الاقتصادي بالتفوق التقني 1 لأن الطرف القوي اقتصاديا يكون في وضعية قوة تقنية مما يجعله مؤهلا لفرض شروطه على معاقده الأضعف، هذه الشروط قد تبدو تعسفية إزاء المتعاقد الثاني . بقطع النظر عن طبيعة التفاوت فإن إدراج البنود التعسفية في العقد يؤدي حتما إلى إختلال في التوازن العقدي فيتجلى التعسف من خلال تخفيف التزامات المتعاقد الأقوى(مبحث 1 ) كما يمكن أن يتجلى كذلك من خلال تشديد التزامات الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية ( مبحث 2 ) . المبحث الأول : التعسف في إطار التخفيف من التزامات المتعاقد الأقوى : إن المتعاقد الأقوى على المستوى الاقتصادي أو المالي أو المعرفي يسعى دائما لتدعيم وضعيته و ذلك خاصة من خلال إدراج العديد من البنود في العقود التي يبرمها ( خصوصا عقود الإذعان ) و التي يرمي من ورائها إلى تخفيف التزاماته أو إعفائه من البعض منها خاصة بما يعرف بشروط المسؤولية . تعرف هذه الشروط بأنها تلك التي تنظم نتائج عدم تنفيذ الالتزامات و ذلك بإقصاء المسؤولية أو بالتخفيف منها 2 ففي الصورة الأولى تتعلق شروط عدم المسؤولية أو الإعفاء منها بتلك المعفية تماما من مسؤولية المدين عن عدم تنفيذ التزامه 3 أما في الصورة الثانية فإن الشروط تكون محددة و مقيدة لهذه المسؤولية 4 _________________________________ 1 – أهم مثال لذلك العلاقة بين المرفق العام و مستعمليه حيث تكون المؤسسات العمومية في وضعية هيمنة إزاء مستعمل المرافق العامة و لعل عقد التأمين و عقد البعث العقاري خير دليل على ذلك . 2 – B( Stark) , ( R) Henri et (B) Laurent ; Droit civil , obligations, Tome II, contrat, 3ème édition , Litec , Paris , 1989, n° 1527, p.627 . 3 –سليمان مرقس ، نفس المرجع ، ص 599 . 4 – تنقسم شروط المسؤولية حسب الفقه إلى ثلاثة أنواع : شروط معفية من المسؤولية و شروط محددة لها و أخرى متشددة للمسؤولية و هذه الأخيرة تخدم مصلحة الدائن بالضرورة أما الأولى و الثانية فهي تخدم مصلحة المدين و تمثل تعسفا في حق الدائن . رفيعة المديني ، نفس المرجع ، ص 95. - 7 - يمكن التطرق لهذه البنود من زاويتين : زاوية التعويض أي البنود المتعلقة بغرم الضرر الناتج عن عدم تنفيذ المدين لالتزاماته ( فقرة أولى ) وزاوية الضمان أي البنود التي تخول الحق في التعويض في حالة الإخلال بالإلتزام ذاته و هي بنود يسعى من خلالها المتعاقد الأقوى إلى تضمينها بالعقد قصد التخفيف من مسؤوليته ( فقرة ثانية ). الفقرة الأولى : البنود المتعلقة بالتعويض إن التعويض هو كل ما يلزم أداءه من قبل المسؤول عن الضرر للمتضرر بغرض إعادته إلى الوضع الذي كان عليه قبل إصابته بالضرر و يشمل التعويض وفقا لأحكام الفصلين 107 و 278 من مجلة الالتزامات و العقود ما تلف حقيقة للمتضرر و ما صرفه أو ما أمكن صرفه، أو ما كان لابد له أن يصرفه لتدارك عواقب الفعل المضر به ، و كذلك الأرباح و المداخيل التي حرم منها بسبب الفعل الضار ، كما يشمل ما يلزم لجبر الضرر اللاحق بمعنويات المتضرر و بعواطفه الشخصية ، باعتبار أن القانون وضع على عاتق المسؤول عن الضرر سواء بارتكاب جنحة أو شبه جنحة ، أو بارتكابه إخلال في تنفيذ الالتزامات التعاقدية المحمولة على عاتقه أو سوء تنفيذه لها واجب تعويض الأضرار المترتبة عن ذلك المادية و المعنوية على حد السواء 1 . ________________________ 1 – محمد اللجمي : التعويض عن الضرر البدني في القانون التونسي و المقارن ، الجزء 1، جانفي 1997، ص 53 . - و يمكن تصنيف التعويض إلى ثلاث : * التعويض الكامل أي الشامل لمختلف عناصر الضرر، المادية و الأدبية و الخاضع تقديرها إلى سلطة القاضي. * التعويض الجزافي الخاضع في تقديره إلى معايير موضوعية فرضها القانون مثال ذلك المعايير المعتمدة لتعويض الأضرار الجسدية عن حوادث الشغل و الأمراض المهنية و التي تتميز بصبغته الاجتماعية و باستقلاليته عن القواعد العامة للمسؤولية المدنية . * التعويض المحدد بقيمة قصوى أي الذي يقدر حسب أهمية الضرر الحاصل لكن دون تجاوز مبلغ محدد كما لا يمكن الحكم بأكثر منه مهما تعاظمت قيمة الضرر المطلوب جبره مثال ذلك مجال تعويض الأضرار الجسدية الحاصلة للمسافرين بسبب حوادث النقل البري الخاضع لاتفاقية فرصوفيا لسنة 1929. - 8 - و الصورة التي تتعلق بموضوعنا هي صورة التعويض نتيجة عدم تنفيذ المدين لالتزامه و التي من الممكن الحديث فيها عن البنود التعسفية . تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى ضرورة تجنب الخلط بين الشرط المحدد للمسؤولية و المتعلق بالتعويض والشرط الجزائي 1. ففي الحالة الأولى الشرط المتعلق بالتعويض يضع مبلغا أقصى للتعويض في صورة إخلال المدين بإلتزامه أما في الحالة الثانية فإن الشرط هو تقييم التعويض الناتج عن عدم تنفيذ المدين لإلتزامه أو تأخيره في التنفيذ جزافا أو بصورة إجمالية 2. لئن تدخل المشرع و حدد في عديد من المجالات مبالغ التعويض بصورة لا يمكن معها للأطراف الاتفاق إلا على الزيادة في هذا المبلغ و يحجر عليهم التقليص منه و يبرز هذا التحديد التشريعي لمبلغ التعويض خاصة في عقود النقل3 فإنه قد سكت في حالات أخرى مما تمكن معه الأطراف المتعاقدة من الاتفاق على تحوير ما جاء به في خصوص المسؤولية التعاقدية و خاصة في ما يتعلق بتحديد هذه المسؤولية وبمبالغ التعويض مع ما يحمله هذا التحديد من تعسف وهو ما يحجر إطلاقا بالنسبة للمسؤولية التقصيرية نظرا لمساسها بالنظام العام . مبدئيا لا يمكن فرض شرط يتعلق بتحديد مبلغ التعويض إلا إذا تم الاتفاق عليه من الطرفين و لكن الموجود و الملاحظ على مستوى التطبيق هو أنه قلما يقع تبادل الرضى حول هذه البنود المتسمة بالتعسف وهي نتيجة طبيعة لإدراجها في عقود الإذعان و أصبحت شروط ________________________________ 1 – سيقع التعرض إليه لاحقا في الفقرة الثانية . 2 – رفيعة المديني ، نفس المرجع ، ص 96. 3 – فمثلا في عقد النقل الجوي نص الفصل 105 من أمر 04 / 07 / 1959 على أن مسؤولية الناقل الجوي ضبطت في حدود 1500 مي للطرد الواحد و ذلك في صورة عدم قيام المرسل بإعلام الناقل بقيمتها . أما النقل البري فيحكمه الفصل 643 م ت الذي نظم شرط تحديد المسؤولية بسبب الضياع أو التعييب لكن شريطة أن لا تكون الغرامة المتفق عليها أقل بكثير من قيمة الشيء نفسه بما تصبح معه في الحقيقة كأن لم تكن . كذلك نظم شرط الإعفاء كليا أو جزئيا من المسؤولية في التأخير و خصصها بحالات معينة نص عليها صراحة الفصل المذكور و قد حرص المشرع من خلال هذا الفصل إلى الملائمة بين الضرر و التعويض حتى لا يتحول الشرط المدرج بالعقد إلى شرط إعفاء كلي من المسؤولية و هو الشرط الباطل قانونا عملا بالفصل 644 مجلة تجارية . أما بخصوص النقل البحري فقد جاء التحديد بأكثر وضوح أنظر 147 م ت ب . - 9 - تحديد المسؤولية تتوارد في أغلب العقود المتسمة بالتفاوت فمثلا في عقود الاستهلاك ، أو التعاقد على شراء السيارات أو التزويد بالخدمات ، أو تسليم شقة تحت التشطيب أو التأسيس، نشك آلا يصل أحد المتعاقدين إلى عميل لا يدرك ذلك ليستبعد المسؤولية ، أو على الأقل يخفف منها، عن طريق الشروط التي يدرجها في مثل هذه العقود، و إن كان مسموحا بذلك قانونا إلا أنه يعد تعسفا في حق الطرف الآخر المتعاقد الضعيف 1 . تبرز شروط المسؤولية عموما و تلك المتعلقة بالتعويض خصوصا في صورة شروط عامة يتضمنها العقد ويجهلها المتعاقد الضعيف أو تكون مكتوبة بطريقة مصغرة على ظهر بطاقة النقل أو وثيقة الشحن، هذا بالإضافة إلى طول العقد و الوثائق المصاحبة و طريقة الكتابة المصغرة الغير واضحة إن لم نقل غامضة بالنسبة للطرف الآخر 2 كلها عوامل تساهم في اكساء التعسف على هذا النوع من البنود . إن المتعاقد القوي المطالب بالتعويض يسعى إلى إخفاء البنود المتعلقة بالتعويض أو إحالتها إلى وثائق أخرى تحويها و ذلك لخطورة هذه الشروط على معاقده و الملاحظ في هذا الإطار أن فقه القضاء الفرنسي قد أوجب في مثل هذه الصورة أن يكون العقد الأصلي المبرم بين الأطراف متضمنا إحالة صريحة مع ضرورة أن يبلغ الشرط ذاته إلى علم المتعاقد الآخر. 3 بالرجوع إلى قانون حماية المستهلك 4 نلاحظ أن المشرع لم يتمكن من الإحاطة بشروط تحديد التعويض في العقود المبرمة في مجال الاستهلاك ذلك أنه لم يتعرض في الفصـــــل 17 المتعلق __________________________ 1 – رفيعة المديني ، نفس المرجع ، ص 100. 2 – « Ces abus sont d’autant plus graves que le consentement apparent de celui qui donne son adhésion au contrat, s’applique fréquemment à des conditions générales dont il n’a pas une connaissance, ou tout au moins une compréhension réelle. Le contrat type ne figure souvent dans la convention que sous forme de références à des documents dont il faut demander la communication, ou sur des affiches ou au verso de bons de commande ou de livraison dont l’intéressé ne peut pratiquement prendre connaissance , ou qu’il ne peut en tout cas étudier avant de s’engager. La longueur du texte , sa présentation peu lisible et sa rédaction souvent obscure pour les non-initiés accentuent encore le caractère illusoire du consentement ». Jacques Ghesten, op.cit, p.79. 3 - رفيعة المديني ، نفس المرجع ، ص 101. 4 – قانون عدد 117 لسنة 1992 مؤرخ في 7 ديسمبر1992 يتعلق بحماية المستهلك. الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 83 مؤرخ في 15 ديسمبر 1992، ص 1583 . - 10 - بالضمان إلى الاتفاقات أو الشروط التي تتعلق بعدم الضمان أي تلك البنود المعفية تماما من المسؤولية مما يستنتج معه القبول بالاتفاقات المتعلقة بتحديد المسؤولية و ليس الإعفاء منها آخذا بعين الاعتبار خضوع عقود الإستهلاك إلى الحرية التعاقدية و القوة الملزمة للعقد مما يمكن معه إتفاق الأطراف على شروط تحديد المسؤولية ما دام القانون لا يمنعها صراحة هذا بالإضافة إلى إحالة الفقرة الثالثة من الفصل آنف الذكر إلى الشروط العامة المنصوص عليها بأحكام مجلة الالتزامات و العقود و التي تترك حيزا من الحرية للمتعاقدين للاتفاق على تحديد الضمان فإن هذه الحرية تشمل بذلك حق التعويض الناتج عن إخلال المدين بواجب الضمان . هذا بالإضافة إلى حصر المشرع للتعويض أو إرجاع الثمن (الفصل 18 من قانون حماية المستهلك ) إلى صورة عدم مطابقة المنتوج المسلم للتراتيب القانونية المعمول بها و سكوته عن بقية الحالات التي يجب فيها التعويض أو إرجاع الثمن و بذلك فإن حصره هذا يقصي حالة التأخير في تسليم المبيع و هي الحالة الأكثر ورودا على مستوى التطبيق . مما يتسنى معه للمزود إدراج بند يحدد به مبلغ التعويض في صورة تأخيره في التسليم مثلا دون أن يكون ذلك البند مخالفا للقانون ، خصوصا أنه يتضمن مبلغا زهيدا لحد أقصى للتعويض في صورة التأخير1 . بالإضافة إلى البنود الاتفاقية التي تتعلق بتقويم التعويض و غرم الضرر، فإن الأطراف يمكنهم إدراج بنود أخرى للمسؤولية تدور حول الحق في التعويض 2 و هي ما تسمى عادة باتفاقات الضمان فكيف يتجلى التعسف فيها ؟ الفقرة الثانية : البنود المتعلقة بالضمان : هذه البنود أصبحت تشهد أهمية كبيرة في أغلب العقود الخاصة المتسمة بالتفاوت بين أطرافها بحيث يقع إدراجها من قبل المتعاقد الأقوى ليخفف بها التزامه في مواجهة معاقده و هي تظهر خاصة في عقد التأمين (أ) و عقد البيع (ب) . ________________________ 1 – رفيعة المديني ، نفس المرجع ، ص 103 – 104 . 2 – يجب التفريق بين شروط عدم المسؤولية و شروط عدم الضمان فالأولى لا تلغي الالتزام و إنما ينحصر موضوعها في عدم السماح للدائن بإعمال مسؤولية المدين إذا لم يرضه الأداء أما الثانية فيتمثل موضوعها في إقصاء الالتزام بالضمان الذي يتحمله المدين. Voir (CH) Larroumet : Droit civil , Tome III, les obligations, les contrats , 4éme edit, Economica, Paris, 1998, n°638, p 665 . - 11- أ – بنود الضمان في عقد التأمين : تتعدد بنود الضمان 1 في عقد التأمين و تنقسم إلى نوعين : بنود الحرمان من الضمان أو استثناء الضمان وبنود الإعفاء من الضمان 2 أو شروط عدم تغطية الكوارث الصغيرة : * بنود استثناء الضمان أو الحرمان من الضمان لقد عرفت الدوائر المجتمعة الحرمان من الضمان بأنه الاتفاق على استبعاد حالة معينة أو أكثر من عقد التأمين 3 ويقصد بذلك الاتفاق على إقصاء و استثناء بعض الحالات من التغطية المبرم في شأنها عقد التأمين 4 و بالرجوع إلى الفصل 4 من مجلة التامين نجده يجيز مثل هذه الشروط التي تستثني ضمان الخطر إذ ينص على ما يلي : يكون موضوع عقد التامين كل مصلحة مشروعة و يمكن تامين كل مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في عدم تحقق خطر ما عدى ما استثنى منها صراحة و بصفة محددة و لا يتحمل المؤمن نتائج الفعل القصدي و كذلك نتائج الفعل المرتكب على أساس التغرير . و هو ما يفيد إمكانية المؤمن (وهي شركة التأمين) إدراج بعض شروط للحرمان من الضمان قصد تخفيف التزاماتها بالضمان تجاه حرفائها و هو ما يجعل شركات التأمين تجد في شروط الضمان المجال الواسع للتعسف و لعل من أبرز أشكال الغموض و العمومية إلى ترد عليها شروط استثناء الضمان ما يرد في عقود التأمين من سقوط حق المؤمن له في الضمان عند مخالفته القوانين و التراتيب بحيث أصبحت شركة التأمين تدرج مثل هذا الشرط تحت غطاء سقوط الحق في الضمان ، فعندما تشترط في العقد سقوط حق مؤمنها في الضمان عندما يحصل ضرر بفعل مخالف للقوانين العامة ، لا تقصي شركة التأمين تلك الحالة من الضمان و إنما تشترط فقط سقوط حق المؤمن _____________________________ 1 – شروط الضمان هي تلك التي تدور حول الحق في التعويض بخلاف شروط المسؤولية و هي المتعلقة بتقويم التعويض وهو تقسيم تبناه العميد Carbonnier . 2 – أنظر عبد اللطيف المامغلي : الحرمان من الضمان و الإعفاء من الضمان م ق ت ماي 1996 ، ص 7 و ما بعدها . 3 – قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب عدد 10921 بتاريخ 30 جانفي 1976، م ق ت عدد 2 سنة 1976، ص 110 و ما بعدها . 4 – انظر عبد اللطيف المامغلي : نفس المرجع ، ص 8. - 12 - له في الضمان 1 . و يمكن لشركة التأمين على سبيل المثال إدراج بند استثناء الضمان في صورة حصول ضرر للغير الواقع نقله دون توفر شروط السلامة الكافية و المطابقة للتراتيب الجاري بها العمل و هو بند و لئن اتسم بالتعسف لما يحتويه من تخفيف للالتزامات شركة التأمين فإن محكمة التعقيب قد أقرت بإحدى حيثيات قرارها ما يلي : حيث أن استثناء الضمان يخرج عن موضوع العقد و يتنزل منزلة عدم التأمين التي يعارض بها الغير المتضرر من الحادث و يجعل شركة التأمين غير متحملة بجبر نتائجه 2. و مجال التعسف يتجلى كذلك في صورة بنود الإعفاء من الضمان . * بنود الإعفاء من الضمان أو شروط عدم التغطية الجزئية في هذا الإطار يمكن أن يشترط المؤمن أن يتقاضى المؤمن له عند تحقق الخطر تعويضا أقل من قيمة الضرر و يتحقق ذلك في صورتين : الصورة الأولى هي صورة شرط عدم تغطية الكوارث الصغيرة و عرفها السنهوري بأنه شرط يقضي أيضا بعدم تغطية مقدار معين من قيمة الضرر أو نسبة معينة من هذه القيمة 3 و هو ما يعرف بشرط عدم التغطية الجزئية و هو يهدف إلى استبعاد الأخطار الصغيرة من نطاق التأمين فلا يبقى داخل هذه النطاق إلا الأخطار الكبيرة أو المتوسطة و بذلك لا ينشغل المؤمن بالأخطار الصغيرة التي تكون الأكثر وقوعا حتى يتجنب مصاريف لتعويض أضرار بسيطة قد تتجاوز النفقات الإدارية في شأنها أضعاف قيمتها و في نطاق هذه الإعفاءات نجد أيضا طريقة أخرى تتمثل في اشتراط إبقاء نسبة مائوية من الضرر على كاهل المستأمن، كتحميله خمسة في المائة مثلا من كل ضرر مهما كانت قيمته 4. ________________________________ 1 – رفيعة المديني ، نفس المرجع ، ص 107 . 2 – قرار تعقيبي جزائي عدد 217 23 ، بتاريخ 7 أكتوبر 2004 ، مجلة القضاء و التشريع ، ديسمبر 2005 ، ص 363 و بعده . 3 – عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء السابع ، عقود الغرر و عقد التأمين ، عدد 764، ص 1533 . 4 – أنظر عبد اللطيف المامغلي ، نفس المرجع ، ص 9 . - 13 - أما الصورة الثانية والتي يتجلى فيها التعسف بوضوح أكثر فهي تتعلق بشرط التغطية الإجباري الذي يهدف إلى أن لا يؤمن المؤمن له على كل الضرر الذي يلحق به عند تحقق الخطر المؤمن منه ، بل يتحتم عليه أن يستبقي جزءا من هذا الخطر غير مؤمن فلا يستطيع تأمينه لا عند المؤمن نفسه و لا عند أي شركة تأمين أخرى وبموافقته على هذا البند يفقد المؤمن له فرصة تأمين الجزء المستبعد من الضمان لدى شركة أخرى و بالتالي يتحمل هو ذلك الجزء 1 . يستخلص مما ذكر أن تنصيص عقود التأمين على مثل هذه البنود ( الكوارث غير مؤمنة و نسبة الضرر التي يتحملها المؤمن له ) مهما كانت بساطتها مقارنة بالأجزاء المؤمنة فإن إذعان الطرف المؤمن له و انخراطه في مثل هذه العقود و جهله لما يحويها من شروط تحمل بعض التعسف خاصة و أن تنصيص شركات التأمين على شروط تستبعد بها الضمان دليل واضح على رغبتها في التخفيف من التزاماتها المتصلة بالضمان و التقليص قدر المستطاع من الأخطار المؤمنة بغاية مزيد الربح و الانتفاع على حساب المؤمن له 2 لئن كان إعمال التعسف محدودا في عقد التأمين فإنه على خلاف ذلك في عقد البيع . ب - بنود الضمان في عقد البيع : ينص الفصل 630 م إ ع على أن ضمان البائع للمشتري ينحصر في أمرين : ضمان الاستحقاق 3 و ضمان العيب 4 . فإذا كان بإمكان الطرفين الإتفاق على أن لا ضمان للبائع وهو ما يفيد في صورة ضمان الاستحقاق إعفاء البائع من تعويض الخسارة فإن ذلك مشروط إذ لا يمكن إعتماد بند في العقد يعفيه من ضمان فعله الشخصي 5 فإنه على خلاف ذلك أحكام الفصل 670 م إ ع ( حالة الضمان من العيب ) يعطي حرية للأطراف على التنصيص صلب العقد على بند يقضي بإعفاء البائع من ضمان العيوب الخفية 6 إذ نص صراحة على ما يلي : لا شيء على البائع من عيوب المبيع و من عدم وجود الأوصاف المطلوبــــة فيـــه إذا صــرح بذلك أو اشتـــــــــــراط _____________________________ 1 - عبد الرزاق السنهوري ، نفس المرجع ، ص 1533 . 2 – رفيعة المديني ، نفس المرجع ، ص 109 . 3 – ضمان الاستحقاق يفيد حوز المبيع و التصرف فيه بلا معارض ، الفصل 630 م اع أولا. 4 – ضمان العيب : سلامته من العيوب الخفية ، الفصل 630 م ا ع ثانيا . 5 – الفصل 642 م ا ع . 6 – عبد الرزاق السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني ، عقد البيع ، ص 710 و بعده. - 14- عدم الضمان 1 لقد ذهبت أغلب التشاريع في اتجاه جواز مثل هذه الشروط المعفية أو المحددة لضمان البائع لعيوب المبيع الخفية و مثال ذلك الفصل 1643 من المجلة المدنية الفرنسية و الفصل 453 من القانون المدني المصري و ذلك استنادا إلى القوة الملزمة للعقد و لقاعدة العقد شريعة الطرفين 2. لعل التعسف في استعمال هذه البنود يكون واضحا خاصة إذا ما تعلق الأمر بعقد مبرم بين بائع محترف 3 و مشتري مستهلك بحيث تمحور النقاش الفقهي و القضائي كله حول هذه النقطة و مدى إمكانية تحديد البائع المحترف لإلتزامه بالضمان بمقتضى بند تعاقدي 4 . يمكن للمحترف أن يضمن بعقد البيع أو التزويد بندا يحدد به ضمانه لعيوب المبيع دون مخالفة لمقتضيات قانون حماية المستهلك بالرغم من كونه يعتبر عالما بالعيوب حسب الفصل 655 م إ ع إذ يمكنه النزول بالضمان إلى حدود ضئيلة لا تنفع المستهلك في شيء و لكنها غالبا ما تكون في الحقيقة شروطا ملغية للضمان أصلا و لكنها ترد في شكل مقنع . الشروط المتعلقة بعدم الضمان تهدف إذن إلى التخفيف من التزامات المتعاقد القوي في عقد متسم بتفاوت طرفيه و لكن قد يكون البند المتسم بالتعسف المقصود منه تشديد التزامات أحد طرفي العقد و الذي يكون عادة المتعاقد الضعيف . المبحث الثاني : التعسف في إطار التشديد من التزامات المتعاقد الضعيف : يسعى المتعاقد الأقوى في العقد إلى إدراج بنود يثقل بها التزامات معاقده الضعيف حتى يحد من التزاماته إزاءه . ويتجلى التعسف هنا على مستويين : مستوى إبرام العقد ( فقرة1 ) و مستوى تنفيذه ( فقرة 2 ) . ___________________________ 1 – الفصل 670 م ا ع بعد التنقيح الجديد لمجلة الالتزامات و العقود بمقتضى القانون عدد 87 لسنة 2005 مؤرخ في 15 أوت 2005 يتعلق بالمصادقة على إعادة تنظيم بعض أحكام مجلة الالتزامات و العقود الرائد الرسمي عدد 68 ص 2396 . 2 – رفيعة المديني : نفس المرجع ، ص 111 . 3 – البائع المحترف هو بمثابة البائع الذي يعلم عيوب الشيء المبيع أو عدم وجود الوصف الموعود به ( الفصل 655 م ا ع أولا ). 4 – متناوله بالدرس في الجزء الثاني . - 15 – الفقرة الأولى : التعسف على مستوى إبرام العقد . إن التطرق لمرحلة إبرام العقد يخول الوقوف على العديد من البنود التي تثقل كاهل المتعاقد الضعيف و التي يمكن تصنيفها إلى صنفين : بنود تتعلق بموضوع العقد و أخرى تتعلق بالثمن المتعاقد عليه . أ - البند التعسفي و موضوع العقد : يقصد بموضوع العقد محله أو ما يقع التعاقد عليه و قد نظمه المشرع صلب مجلة الالتزامات و العقود ضمن الفصول 62 إلى 66 و أوجب فيه بعض الشروط التي بدونها ينعدم المحل و يبطل العقد بطلانا مطلقا لذلك تعتبر الشروط التي تخل بصحة المحل باطلة أساسا في حين أن الشروط التعسفية هي شروط جائزة و مشروعة مبدئيا و لكن يشوبها الإجحاف في حق أحد الأطراف 1 . والمحل في عقد البيع حسب السنهوري هو ركن في الالتزام لا في العقد ضرورة أن البيع هو عقد ملزم للطرفين و بذلك فإنه ينشئ التزامات في جانب البائع محلها هو المبيع و ينشئ التزامات مقابلة من جانب المشتري محلها الرئيسي هو الثمن لذلك يكون للبيع محلان رئيسين المبيع و الثمن 2 . ولقد اظهر التطبيق صورة يعمد من خلالها البائع المحترف إلى التنصيص على بند يعطيه الحق في تعديل خاصيات الشيء المبيع بحيث يتسلم المستهلك شيئا مخالفا للمواصفات التي تم الاتفاق عليها . بالرغم من تعرض المشرع حديثا إلى مثل هذا النوع من البنود صلب القانون المتعلق بالبيوعات بالتقسيط3 إلا أنه يمكن التنصيص على إمكانية قيام التاجر بتغييرات مرتبطة بالتقدم التقني شريطة أن لا يترتب عنها زيادة في الثمن أو إضرار بالجودة و ذلك حسب الفقرة الثانية _____________________ 1 – رفيعة المديني : نفس المرجع ، ص 72. 2 – عبد الرزاق السنهوري ، عقد البيع ، ص 190. 3 – الفص 23 الذي حجر هذا النوع من البنود و الذي سنتناوله بالدرس في الجزء 2. - 16 - من الفصل 23 من القانون آنف الذكر و بذلك يكون شرط ارتباط التغييرات بالتقدم التقني لا يمنع من إدراج مثل تلك البنود التي تحمل التعسف إذ أن أغلب البيوعات اليوم هي بيوعات بالتقسيط و هي تدور حول منتوجات يتدخل فيها الجانب التقني بشكل كبير و بإدراج هذه البنود في العقد يسعى المتعاقد القوي وهو المحترف إلى جلب المنفعة على حساب معاقده و إثقال كاهل هذا الأخير عبر التخفيف من التزامه كبائع باحترام مواصفات الشيء المتعاقد عليه 1 إلى جانب موضوع العقد نجد عنصر الثمن الذي يمكن من إعمال عديد البنود التعسفية فيه و إثقال التزام المدين أو الطرف الضعيف . ب – البند التعسفي و الثمن : يعد الثمن ركنا من أركان عقد البيع 2 إذ لا ينعقد البيع إلا بالاتفاق على الثمن و المثمن حسب الفصل 580 م إ ع . و بالنظر إلى التنظيم التشريعي للثمن و خصائصه من خلال مجلة الإلتزامات و العقود و بعض القوانين الخاصة كقانون المنافسة و الأسعار و قانون البيوعات بالتقسيط يبدو من الصعب إعمال التعسف في عنصر الثمن و لكن ذلك لا يعني أن كل الشروط المتعلقة بالثمن هي بالضرورة في مأمن من كل نزاع إذ يمكن أن يحدث إخلال أو تعسف في تحديد الثمن و كذلك في الأساليب العقدية لدفعه 3. و يمكن أن يتجلى التعسف بخصوص الثمن في صورتين : الأولى تتعلق بتعين الثمن و الثانية بدفعه . * صورة تعيين الثمن : مبدئيا يقع تعيين الثمن في تاريخ التعاقد و قد استقر فقه القضاء على اعتبار البيع باطلا إذا تضمن العقد بندا يقضي بإرجاء تحديد الثمن في اتفاق لاحق 4 و لكن مع ذلك صارت بعض العقود تتضمن بنودا تخص تحديد الثمن و ينفرد محرريها بحق تعيينه أو تعديله . __________________________________ 1 – رفيعة المديني ، نفس المرجع ، ص 74 . 2 – الفصل 564 م إ ع . 3 – رفيعة المديني ، نفس المرجع ، ص 77 . 4 – Cass.Com. 24 Mars 1965 : JCP.1965, II, 14378 - 17 – فمثلا في عقد البعث العقاري المبرم بين الباعث العقاري و المتعاقد العادي يدرج الباعث المحترف في أكثر الأحيان بندا ينص فيه على أن الثمن قد حدد مؤقتا و أنه يقع ضبطه نهائيا بعد إعداد الأمثلة و تحديد المساحة النهائية للعقار بحيث يصبح المشتري مطالبا يدفع ثمن إضافي استنادا من معاقده على ذلك البند الذي أدرجه في العقد ، فيثقل التزامه مرة أخرى بمبلغ يكون في بعض الحالات أكثر من الثمن الأصلي المتفق عليه 1. و إدراج مثل هذا البند في العقد يؤدي إلى الاختلال بين أداءات الأطراف المتعاقدة و لقد تعرضت المحكمة الابتدائية بتونس إلى عقد مبرم بين باعث عقاري و مشتري عادي تضمن بندا يقضي بأن الثمن النهائي للبيع يضبط من طرف البائعة و بموجب هذا الحكم فقد ارتفع المبيع من 5880 دينارا إلى 13680 دينارا رغم عدم وجود زيادة في مساحة الأرض كما أن البائعة رفعت دعواها للمطالبة ببقية الثمن بعد مرور ستة سنوات من تاريخ البيع 2. و بالنظر في هذا الحكم فإنه قابل للنقاش إذ لا يعقل أن تكون الزيادة في الثمن تتجاوز مقدار الثمن الأصلي كما أنه لا يمكن ترك ضبط الثمن النهائي لمشيئة إرادة البائعة وحدها باعتبار أن الثمن يستلزم تراضي الطرفين عليه ... 3 . تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن الحكم الآنف الذكر لم يأخذ بعين الاعتبار طبيعة العقد المبرم بين الباعث العقاري و المتعاقد العادي الذي سبق لمحكمة التعقيب أن كيفيته بعقد الانخراط أو الإذعان4 مع ما تحمله هذه التسمية من تفوق الباعث العقاري على معاقده. كما يتجلى التعسف في صورة التحديد المؤقت للثمن من خلال بنود أخرى يدرجها المتعاقد الأقوى في عقود أخرى غير عقد البيع و مثال ذلك ما يضعه المورد عادة من شروط يمكنه على أساسها تعديل السعر بين تاريخ الطلب و تاريخ التسليم بحيث لا يمكن لمعاقده أن يتفطن إلى ما يحمله هذا البند عند إبرام العقد و قد دأب منتجي السيارات على إدراج شرط مفاده أن السيارة الحالة تباع بالسعر الذي سيصير عليه لحظة التسليم و ليس لحظة التعاقد5. و ذلك في عقود بيع ___________________________ 1 – عبد الله الأحمدي : قانون مدني ، العقود الخاصة I ، البيع، 1997،ص 166 . 2 – الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الابتدائية بتونس عدد 85632 المؤرخ في 12 جويلية 1995 ،عبد الله الأحمدي ، نفس المرجع، ص 1967 . 3 – عبد الله الأحمدي ، Ibid . 4 – قرار تعقيبي مدني عدد 31607 مؤرخ في 20 جوان 1994، ن. م.ت 1994، ص 457. 5 – رفيعة المدني : نفس المرجع ، ص 79 . - 18 - السيارات كما يمكن أن يقع التنصيص في هذه العقود على أن الثمن المبين ببطاقة الطلب هو على سبيل الذكر و أن ثمن الفاتورة هو المعمول به في تاريخ التسليم بحيث يمكن للمشترى العادي المتعاقد مع بائع أو مورد محترف أن يعتقد في إيفائه لثمن السيارة التي طلبها في الوقت الذي يبقى معاقده يطالبه بتسديد بقية الثمن اعتمادا على شرط تعديل الثمن 1 . بالرجوع إلى الفصل 579 م إ ع نجد أن المشرع قد ترك مجالا للبائع لإدارج بنود مجحفة تحمل التعسف إزاء معاقده و ذلك بالنظر لعمومية الألفاظ و التراكيب الواردة بهذا الفصل إذ خول للمتعاقدين الاعتماد على بعض المؤشرات لتحديد الثمن إذا لم يقع هذا التحديد ساعة إبرام العقد 2 . و إشارة الفصل 579 إلى أسعار السوق يفتح المجال أمام البائع المحترف عند إبرام العقد ليدرج شروطا يكون الثمن بمقتضاها قابلا للتعيين وفق متوسط سعر السوق إذا كان ثمن المبيع لا يتغير ووفق متوسط الثمن الواقع إذا كان ثمن البيع متغيرا و بذلك فإن البائع المحترف الذي يعلم سعر السوق و الثمن الواقع يمكنه إجبار المستهلك الذي يجهل ذلك على أن يدفع ثمنا مضاعفا في بعض الأحيان نتيجة موافقته على تلك البنود المتعلقة بالثمن3 . بالرغم من تدخل قانون المنافسة والأسعار وتحديد الأسعار المتعلقة بالمواد و المنتوجات و الخدمات في فصله الثالث فقرة 2 فإن المتعاقد المحترف يمكنه أن يتعمد وضع بند في عقد يعتمد متوسط سعر السوق إذا ما تعلق الأمر بمواد و منتوجات و خدمات غير تلك المحددة والمنصوص عليها بالفصل آنف الذكر مما يثقل كاهل المتعاقد الضعيف الذي يوافق على ثمن معين في حين يجد نفسه مطالبا بدفع ثمن مغاير لما وقع الإتفاق عليه . يمكن الإشارة كذلك إلى حالة العقود التي يستغرق تنفيذها فترة طويلة التي كثيـــــرا ما يدرج بها المتعاقد الأقوى بنودا تمكنه من إعادة النظر في المبلغ المتفق عليه في العقد و ذلك في صورة حدوث تقلبات اقتصادية أو انخفاض في قيمة العملة و يطلق عليها بنود السلـم المتغــير Clause d’échelle mobile أو بنود التأشير Clause d’indexation و التـــــي بمقتضاها يقع ___________________________ 1 – عبد الله الأحمدي ، نفس المرجع ، ص 175 . 2 – نص الفصل 579 م إ ع ... و يجوز الاعتماد على ما هو معين بقائمة السوق أو بتعريفة معينه أو على متوسط أسعار السوق إذا كان ثمن المبيع لا يتغير فإن كان متغيرا حمل المتعاقدان على أنهما اعتمدا متوسط الثمن الواقع 3 – رفيعة المديني : نفس المرجع ، ص 81 . - 19 - تعديل المبلغ المنصوص عليه في العقد اعتمادا على مؤشر نقدي أو اقتصادي 1 و أكثر مثال على ذلك قانون الأكرية التجارية الذي يخول من خلاله المشرع تعديل معين الكراء إعتمادا على بند سلم متغير 2 . و يمكن لبند سلم متغير أو بند تأشيري أن يعد مجحفا إذا ما أورده محرر العقد مستغلا تفوقه و جهل معاقده .
Posted on: Fri, 11 Oct 2013 20:55:32 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015